الواو دون سائر حروف العطف ، وكان أستاذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي يذكر لنا هذا النحو من العطف ، وأنه يسمى بالتجريد ، كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر على سبيل التفضيل ، وقال الشاعر :
أكر عليهم دعلجا ولبانه |
|
إذا ما اشتكى وقع القناة تحمحما |
دعلج : هنا اسم فرس ، ولبانه : صدره ، ولأبي الفتح بن جني كلام في ذلك يكشف من سر الصناعة له. (عَلَى الْعالَمِينَ) : أي عالمي زمانهم ، قاله الحسن ومجاهد وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم ، أو على كل العالمين ، بما جعل فيهم من الأنبياء ، وجعلهم ملوكا وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، وذلك خاصة لهم دون غيرهم. فيكون عاما والنعمة مخصوصة. قالوا : ويدفع هذا القول : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (١) ، أو على الجم الغفير من الناس ، يقال : رأيت عالما من الناس ، يراد به الكثرة. وعلى كل قول من هذه الأقوال الثلاثة لا يلزم منه التفضيل على هذه الأمة ، لأن من قال بالعموم خص النعمة ، ولا يلزم التفضيل على كل عالم بشيء خاص التفضيل من جميع الوجوه ، ومن قال بالخصوص فوجه عدم التفضيل مطلقا ظاهر. وقال القشيري : أشهد بني إسرائيل فضل أنفسهم فقال : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، وأشهد المسلمين فضل نفسه فقال : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٢) ، فشتان بين من مشهوده فضل ربه ، ومن مشهوده فضل نفسه. فالأول يقتضي الثناء ، والثاني يقتضي الإعجاب ، انتهى. وآخره ملخص من كلامه.
(وَاتَّقُوا يَوْماً) أمر بالاتقاء ، وكأنهم لما أمروا بذكر النعم وتفضيلهم ناسب أن من أنعم عليه وفضل يكون محصلا للتقوى. فأمروا بالإدامة على التقوى ، أو بتحصيل التقوى ، إن عرض لهم خلل وانتصاب يوما ، أما على الظرف والمتقى محذوف تقديره : اتقوا العذاب يوما ، وأما على المفعول به اتساعا أو على حذف مضاف ، أي عذاب يوم ، أو هول يوم. وقيل معناه : جيئوا متقين ، وكأنه على هذا التقدير لم يلحظ متعلق الاتقاء ، فإذ ذاك ينتصب يوما على الظرف. قال القشيري : العوام خوفهم بعذابه ، فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) ، (وَاتَّقُوا النَّارَ) (٣). والخواص خوفهم بصفاته ، فقال : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (٤) ، وما تكون في شأن الآية. وخواص الخواص خوفهم بنفسه ، فقال :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١١٠.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٥٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٤٨.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ١٠٥.