ينحصر ، لم يترك البحر في جوفه منهم واحدا. وقيل : تنظرون أي بعضكم إلى بعض وأنتم سائرون في البحر ، وذلك أنه نقل أن بعض قوم موسى قالوا له : أين أصحابنا؟ فقال : سيروا ، فإنهم على طريق مثل طريقكم ، قالوا : لا نرضى حتى نراهم ، فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا ، فقال بها على الحيطان ، فصار بها كوى ، فتراءوا وتسامعوا كلام بعضهم بعضا. وهذه الأقوال الخمسة النظر فيها بمعنى الرؤية ، وقيل : النظر تجوز به عن القرب ، أي وأنتم بالقرب منهم ، أي بحال لو نظرتم إليهم لرأيتموهم كقولهم : أنت مني بمرأى ومسمع ، أي قريب بحيث أراك وأسمعك ، قاله ابن الأنباري. وقيل : هو من نظر البصيرة والعقل ، ومعناه : وأنتم تعتبرون بمصرعهم وتتعظون بمواقع النقمة التي أرسلت إليهم. وقيل : النظر هنا بمعنى العلم ، لأن العلم يحصل عن النظر ، فكنى به عنه ، قاله الفراء ، وهو معنى قول ابن عباس.
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قرأ الجمهور : واعدنا ، وقرأ أبو عمرو : وعدنا بغير ألف هنا ، وفي الأعراف وطه ، ويحتمل واعدنا ، أن يكون بمعنى وعدنا ، ويكون صدر من واحد ، ويحتمل أن يكون من اثنين على أصل المفاعلة ، فيكون الله قد وعد موسى الوحي ، ويكون موسى وعد الله المجيء للميقات ، أو يكون الوعد من الله وقبوله كان من موسى ، وقبول الوعد يشبه الوعد. قال القفال : ولا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله بمعنى يعاهده. وقيل : وعد إذا كان عن غير طلب ، وواعد إذا كان عن طلب. وقد رجح أبو عبيد قراءة من قرأ : وعدنا بغير ألف ، وأنكر قراءة من قرأ : واعدنا بالألف ، وافقه على معنى ما قال أبو حاتم ومكي. وقال أبو عبيد : المواعدة لا تكون إلا من البشر ، وقال أبو حاتم : أكثر ما تكون المواعدة من المخلوقين المتكافئين ، كل واحد منهما يعد صاحبه ، وقد مر تخريج واعد على تلك الوجوه السابقة ، ولا وجه لترجيح إحدى القراءتين على الأخرى ، لأن كلا منهما متواتر ، فهما في الصحة على حدّ سواء. وأكثر القراء على القراءة بألف ، وهي قراءة مجاهد ، والأعرج ، وابن كثير ، ونافع ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي. موسى : هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. وذكر الشريف أبو البركات محمد بن أسعد بن علي الحوّاني النسابة : أن موسى على نبينا وعليهالسلام هو : موسى بن عمران بن قاهث ، وتقدّم الكلام في لفظ موسى العلم. وأما موسى الحديدة ، التي يحلق بها الشعر ، فهي مؤنثة عربية مشتقة من : أسوت الشيء ، إذا أصلحته ، ووزنها مفعل ، وأصلها الهمز ، وقيل : اشتقاقها من : أوسيت إذا حلقت ، وهذا الاشتقاق أشبه بها ، ولا أصل للواو في الهمز على هذا. (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) : ذو