(فَأَنْجَيْناكُمْ) : يعني من الغرق ، ومن إدراك فرعون لكم واليوم الذي وقع فيه الفرق والنجاة والغرق كان يوم عاشوراء؟ واستطردوا إلى الكلام في يوم عاشوراء ، وفي صومه ، وهي مسألة تذكر في الفقه. وبين قوله : (فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) ، وبين قوله : (فَأَنْجَيْناكُمْ) محذوف يدلّ عليه المعنى تقديره : وإذ فرقنا بكم البحر وتبعكم فرعون وجنوده في تقحمه فأنجيناكم. (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) والهمزة في أغرقنا للتعدية ، ويعدى أيضا بالتضعيف. ولم يذكر فرعون فيمن غرق ، لأن وجوده معهم مستقرّ ، فاكتفى بذكر الآل هنا ، لأنهم هم الذين ذكروا في الآية قبل هذه ، ونسب تلك الصفة القبيحة إليهم من سومهم بني إسرائيل العذاب ، وذبحهم أبناءهم ، واستحيائهم نساءهم ، فناسب هذا إفرادهم بالغرق. وقد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر ، منها : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) (١) ، (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) (٢) ، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) (٣). وناسب نجاتهم من فرعون بإلقائهم في البحر وخروجهم منه سالمين ، نجاة نبيهم موسى على نبينا وعليهالسلام من الذبح ، بإلقائه وهو طفل في البحر ، وخروجه منه سالما. ولكل أمّة نصيب من نبيها. وناسب هلاك فرعون وقومه بالغرق ، هلاك بني إسرائيل على أيديهم بالذبح ، لأن الذبح فيه تعجيل الموت بأنهار الدم ، والغرق فيه إبطاء الموت ، ولا دم خارج ، وكان ما به الحياة (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٤) سببا لإعدامهم من الوجود. ولما كان الغرق من أعسر الموتات وأعظمها شدّة ، جعله الله تعالى نكالا لمن ادّعى الربوبية ، فقال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٥) ، إذ على قدر الذنب يكون العقاب ، ويناسب دعوى الربوبية والاعتلاء انحطاط المدّعي وتغييبه في قعر الماء.
(وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) : جملة حالية ، وهو من النظر : بمعنى الإبصار. والمعنى ، والله أعلم : أن هذه الخوارق العظيمة من فرق البحر بكم ، وإنجائكم من الغرق ، ومن أعدائكم ، وإهلاك أعدائكم بالغرق ، وقع وأنتم تعاينون ذلك وتشاهدونه ، لم يصل ذلك إليكم بنقل ، بل بالمشاهدة التي توجب العلم الضروري بأن ذلك خارق من عند الله تعالى على يد النبي الذي جاءكم. وقيل : وأنتم تنظرون إليهم لقرب بعض من بعض ، وقيل : إلى طفوهم على وجه الماء غرقى. وقيل : إليهم وقد لفظهم البحر وهم العدد الذي لا يكاد
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٠ ، وسورة الذاريات : ٥١ / ٤٠.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٩٠.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٧٨.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٠.
(٥) سورة النازعات : ٧٩ / ٢٤.