(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) : الجمهور على إدغام الذال في التاء. وقرأ ابن كثير وحفص من السبعة : بالإظهار ، ويحتمل اتخذ هنا أن تكون متعدية لواحد ، أي صنعتم عجلا ، كما قال : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) (١) ، على أحد التأويلين ، وعلى هذا التقدير : يكون ثم جملة محذوفة يدل عليها المعنى ، وتقديرها : وعبدتموه إلها ، ويحتمل أن تكون مما تعدّت إلى اثنين فيكون المفعول الثاني محذوفا لدلالة المعنى ، التقدير : ثم اتخذتم العجل إلها ، والأرجح القول الأوّل ، إذ لو كان مما يتعدّى في هذه القصة لاثنين لصرح بالثاني ، ولو في موضع واحد ، ألا ترى أنه لم يعد إلى اثنين بل إلى واحد في هذا الموضع ، وفي : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى) ، وفي : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) (٢) ، وفي : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) (٣) ، وفي قوله في هذه السورة أيضا : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) (٤) ، لكنه يرجح القول الثاني لاستلزام القول الأوّل حذف جملة من هذه الآيات ، ولا يلزم في الثاني إلا حذف المفعول ، وحذف المفرد أسهل من حذف الجملة. فعلى القول الأوّل فيه ذمّ الجماعة بفعل الواحد ، لأن الذي عمل العجل هو السامري ، وسيأتي ، إن شاء الله ، الكلام فيه وفي اسمه وحكاية إضلاله عند قوله تعالى : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٥) ، وذلك عادة العرب في كلامها تذم وتمدح القبيلة بما صدر عن بعضها. وعلى القول الثاني فيه ذمهم بما صدر منهم ، والألف واللام في العجل على القول الأول لتعريف الماهية ، إذ لم يتقدّم عهد فيه ، وعلى القول الثاني للعهد السابق ، إذ كانوا قد صنعوا عجلا ثم اتخذوا ذلك العجل إلها ، وكونه عجلا ظاهر في أنه صار لحما ودما ، فيكون عجلا حقيقة ويكون نسبة الخوار إليه حقيقة ، قاله الحسن. وقيل : هو مجاز ، أي عجلا في الصورة والشكل ، لأن السامري صاغه على شكل العجل ، وكان فيما ذكروا صائغا ، ويكون نسبة الخوار إليه مجازا ، قاله الجمهور ، وسيأتي الكلام على ذلك في الأعراف ، إن شاء الله. ومن أغرب ما ذهب إليه في هذا العجل أنه سمي عجلا لأنهم عجلوا به قبل قدوم موسى ، فاتخذوه إلها ، قاله أبو العالية ، أو سمي هذا عجلا ، لقصر مدّته.
(مِنْ بَعْدِهِ) ، من : تفيد ابتداء الغاية ، ويتعارض مدلولها مع مدلول ثم ، لأن ثم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٨.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٨.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٢.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٥٤.
(٥) سورة طه : ٢٠ / ٨٥.