تقتضي وقوع الاتخاذ بعد مهلة من المواعدة ، ومن تقتضي ابتداء الغاية في التعدية التي تلي المواعدة ، إذ الظاهر عود الضمير على موسى ، ولا تتصوّر التعدية في الذات ، فلا بد من حذف ، وأقرب ما يحذف مصدر يدل عليه لفظ واعدنا ، أي من بعد مواعدته ، فلا بد من ارتكاب المجاز في أحد الحرفين ، إلا أن قدر محذوف غير المواعدة ، وهو أن يكون التقدير من بعد ذهابه إلى الطور ، فيزول التعارض ، إذ المهلة تكون بين المواعدة والاتخاذ. ويبين المهلة قصة الأعراف ، إذ بين المواعدة والاتخاذ هناك جمل كثيرة ، وابتداء الغاية يكون عقيب الذهاب إلى الطور ، فلم تتوارد المهلة والابتداء على شيء واحد ، فزال التعارض. وقيل : الضمير في بعده يعود على الذهاب ، أي من بعد الذهاب ، ودل على ذلك أن المواعدة تقتضي الذهاب ، فيكون عائدا على غير مذكور ، بل على ما يفهم من سياق الكلام ، نحو قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (١) ، (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٢) أي توارت الشمس ، إذ يدل عليها قوله : بالعشي ، وأي فأثرن بالمكان ، إذ يدل عليه (وَالْعادِياتِ) (٣) (فَالْمُورِياتِ) (٤) ، (فَالْمُغِيراتِ) (٥) ، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا في مكان فاقتضته ودلت عليه. وقيل : الضمير يعود على الانجاء ، أي من بعد الانجاء ، وقيل : على الهدى ، أي من بعد الهدى ، وكلا هذين القولين ضعيف.
(وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) : جملة حالية ، ومتعلق الظلم. قيل : ظالمون بوضع العبادة في غير موضعها ، وقيل : بتعاطي أسباب هلاكها ، وقيل : برضاكم فعل السامري في اتخاذه العجل ، ولم تنكروا عليه. ويحتمل أن تكون الجملة غير حال ، بل إخبار من الله أنهم ظالمون : أي سجيتهم الظلم ، وهو وضع الأشياء في غير محلها. وكان المعنى : ثم اتخذتم العجل من بعده وكنتم ظالمين ، كقوله تعالى : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ). وأبرز هذه الجملة في صورة ابتداء وخبر ، لأنها أبلغ وآكد من الجملة الفعلية ولموافقة الفواصل. وظاهر قوله : ثم اتخذتم العموم ، وأنهم كلهم عبدوا العجل إلا هارون ، وقيل : الذين عكفوا على عبادته من قوم موسى ثمانية آلاف رجل ، وقيل : كلهم عبدوه إلا هارون مع اثني عشر ألفا ، قيل : وهذا هو الصحيح ، وقيل : إلا هارون والسبعين رجلا الذين كانوا مع موسى. واتخاذ السامري العجل دون سائر الحيوانات ، قيل : لأنهم مرّوا على قوم يعكفون
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٣٢.
(٢) سورة العاديات : ١٠٠ / ٤.
(٣) سورة العاديات : ١٠٠ / ١.
(٤) سورة العاديات : ١٠٠ / ٢.
(٥) سورة العاديات : ١٠٠ / ٣.