ومعنى لعلكم تشكرون : أي عفو الله عنكم ، لأن العفو يقتضي الشكر ، قاله الجمهور ، أو تظهرون نعمة الله عليكم في العفو ، أو تعترفون بنعمتي ، أو تديمون طاعتي ، أو تقرون بعجزكم عن شكري أربعة أقوال : وقال ابن عباس : الشكر طاعة الجوارح. وقال الجنيد : الشكر هو العجز عن الشكر. وقال الشبلي : التواضع تحت رؤية المنة. وقال الفضيل : أن لا تعصي الله. وقال أبو بكر الورّاق أن تعرف النعمة من الله. وقال ذو النون : الشكر لمن فوقك بالطاعة ، ولنظيرك بالمكافأة ، ولمن دونك بالإحسان. قال القشيري : سرعة العفو عن عظيم الجرم دالة على حقارة المعفو عنه ، يشهد لذلك (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) ، وهؤلاء بنو إسرائيل عبدوا العجل فقال تعالى : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) (٢) ، وقال لهذه الأمة : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٣) ، انتهى كلامه. وناسب ترجي الشكر إثر ذكر العفو ، لأن العفو عن مثل هذه الزلة العظيمة التي هي اتخاذ العجل إلها هو من أعظم ، أو أعظم إسداء النعم ، فلذلك قال : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) : هو التوراة بإجماع المفسرين. (وَالْفُرْقانَ) : هو التوراة ، ومعناه أنه آتاه جامعا بين كونه كتابا وفرقانا بين الحق والباطل ، ويكون من عطف الصفات ، لأن الكتاب في الحقيقة معناه : المكتوب ، قاله الزجاج ، واختاره الزمخشري ، وبدأ بذكره ابن عطية قال : كرر المعنى لاختلاف اللفظ ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل ، ولفظة كتاب لا تعطي ذلك ، أو الواو مقحمة ، أي زائدة ، وهو نعت للكتاب ، قال الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
قاله الكسائي ، وهو ضعيف ، وإنما قوله ، وابن الهمام ، وليث : من باب عطف الصفات بعضها على بعض. ولذلك شرط ، وهو أن تكون الصفات مختلفة المعاني ، أو النصر ، لأنه فرق بين العدوّ والولي في الغرق والنجاة ، ومنه قيل ليوم بدر : يوم الفرقان ، قاله ابن عباس ، أو سائر الآيات التي أوتي موسى على نبينا وعليهالسلام من العصا واليد وغير ذلك ، لأنها فرقت بين الحق والباطل ، أو الفرق بين الحق والباطل ، قاله أبو العالية ومجاهد ، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام ، أو البرهان الفارق بين الكفر والإيمان ،
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٥٢.
(٣) سورة الزلزلة : ٩٩ / ٨.