قاله ابن بحر وابن زيد ، أو الفرح من الكرب لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط ، ومنه قوله تعالى : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (١) ، أي فرجا ومخرجا. وهذا القول راجع لمعنى النصر أو القرآن. والمعنى أن الله آتى موسى ذكر نزول القرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم حتى آمن به ، حكاه ابن الأنباري ، أو القرآن على حذف مفعول ، التقدير : ومحمدا الفرقان ، وحكي هذا عن الفراء وقطرب وثعلب ، وقالوا : هو كقول الشاعر :
وزججن الحواجب والعيونا
التقدير : وكحلن العيون. ورد هذا القول مكي والنحاس وجماعة ، لأنه لا دليل على هذا المحذوف ، ويصير نظير : أطعمت زيدا خبزا ولحما ، ويكون : اللحم أطعمته غير زيد ، ولأن الأصل في العطف أنه يشارك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم السابق ، إذا كان العطف بالحروف المشتركة في ذلك ، وليس مثل ما مثلوا به من : وزججن الحواجب والعيون ، لما هو مذكور في النحو. وقد جاء : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) (٢) ، وذكروا جميع الآيات التي آتاها الله تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل ، أو انفراق البحر ، قاله يمان وقطرب ، وضعف هذا القول بسبق ذكر فرق البحر في قوله : (وَإِذْ فَرَقْنا) (٣) ، وبذكر ترجية الهداية عقيب الفرقان ، ولا يليق إلا بالكتاب. وأجيب بأنه ، وإن سبق ذكر الانفلاق ، فأعيد هنا ونص عليه بأنه آية لموسى مختصة به ، وناسب ذكر الهداية بعد فرق البحر لأنه من الدلائل التي يستدل بها على وجود الصانع وصدق موسى على نبينا وعليهالسلام ، وذلك هو الهداية ، أو لأن المراد بالهداية النجاة والفوز ، وبفرق البحر حصل لهم ذلك فيكون قد ذكر لهم نعمة الكتاب الذي هو أصل الديانات لهم ، ونعمة النجاة من أعدائهم. فهذه اثنتا عشرة مقالة للمفسرين في المراد بالفرقان هنا.
(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : ترجية لهدايتهم ، وقد تقدم الكلام في لعل. وفي لفظ ابن عطية في لعل هنا ، وفي قوله قبل : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، أنه توقع ، والذي تقرر في النحو أنه إن كان متعلق لعل محبوبا ، كانت للترجي ، فإن كان محذورا ، كانت للتوقع ، كقولك : لعل العدو يقدم. والشكر والهداية من المحبوبات ، فينبغي أن لا يعبر عن معنى لعل هنا إلا بالترجي. قال القشيري : فرقان هذه الأمة الذي اختصوا به نور في قلوبهم ، يفرقون به بين
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٢٩.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٥٠.