في اختيار السبعين كيفية ستأتي ، إن شاء الله تعالى ، في مكانها في الأعراف. وقيل : الضمير لسائر بني إسرائيل إلا من عصمه الله ، قاله ابن زيد. وقيل : الذين انفردوا مع هارون ولم يعبدوا العجل. وقال بعض من جمع في التفسير : تظافرت أقوال أئمة التفسير على أن الذين أصابتهم الصاعقة هم السبعون رجلا الذين اختارهم موسى ومضى بهم لميقات ربه ومناجاته ، وما ذكر لا يمكن مع ذكر الاختلاف في قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ) ، لأن الظاهر أن القائل ذلك هم الذين أخذتهم الصاعقة ، إلا إن كان ذلك من تلوين الخطاب ، وهو هنا بعيد. وفي نداء بني إسرائيل لنبيهم باسمه سوء أدب منهم معه ، إذ لم يقولوا : يا نبي الله ، أو يا رسول الله ، أو يا كليم الله ، أو غير ذلك من الألفاظ التي تشعر بصفات التعظيم ، وهي كانت عادتهم معه : يا موسى لن نصبر على طعام واحد ، يا موسى اجعل لنا إلها ، يا موسى ادع لنا ربك. وقد قال الله لهذه الأمّة لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ..
(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) : قيل معناه : لن نصدّقك فيما جئت به من التوراة ، ولم يريدوا نفي الإيمان به بدليل قولهم لك ، ولم يقولوا بك نحو : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (١) ، أي بمصدّق. وقيل معناه : لن نقرّ لك ، فعبر عن الإقرار بالإيمان وعدّاه باللام ، وقد جاء (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) ، قال : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) (٢) ، قالوا : أقررنا ، فيكون المعنى : لن نقرّ لك بأن التوراة من عند الله. وقيل : يجوز أن تكون اللام للعلة ، أي لن نؤمن لأجل قولك بالتوراة. وقيل : يجوز أن يراد نفي الكمال ، أي لا يكمل إيماننا لك ، كما قيل في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهله والناس أجمعين».
(حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) حتى : هنا حرف غاية ، أخبروا بنفي إيمانهم مستصحبا إلى هذه الغاية ومفهومها أنهم إذا رأوا الله جهرة آمنوا ، والرؤية هنا : هي البصرية ، وهي التي لا حجاب دونها ولا ساتر ، وانتصاب جهرة على أنه مصدر مؤكد مزيل لاحتمال الرّؤية أن تكون مناما أو علما بالقلب. والمعنى حتى نرى الله عيانا ، وهو مصدر من قولك : جهر بالقراءة وبالدعاء ، أي أعلن بها فأريد بها نوع من الرّؤية ، فانتصابها على حدّ قولهم : قعد القرفصاء ، وفي : نصب هذا النوع خلاف مذكور في النحو. والأصح أن يكون منصوبا بالفعل السابق يعدى إلى النوع ، كما تعدّى إلى لفظ المصدر الملاقي مع الفعل في الاشتقاق ، وقيل انتصابه على أنه مصدر في موضع الحال على تقدير الحذف ، أي ذوي
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٨١.