(فَتابَ عَلَيْكُمْ) : ظاهره أنه إخبار من الله تعالى بالتوبة عليهم ، ولا بد من تقدير محذوف عطفت عليه هذه الجملة ، أي فامتثلتم ذلك فتاب عليكم. وتكون هاتان الجملتان مندرجتين تحت الإضافة إلى الظرف الذي هو : إذ في قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ). وأجاز الزمخشري أن يكون مندرجا تحت قول موسى على تقدير شرط محذوف ، كأنه قال : فإن فعلتم فقد تاب عليكم ، فتكون الفاء إذ ذاك رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط المحذوفة ، هي وحرف الشرط ، وما ذهب إليه الزمخشري لا يجوز ، وذلك أن الجواب يجوز حذفه كثيرا للدليل عليه. وأما فعل الشرط وحده دون الأداة فيجوز حذفه إذا كان منفيا بلا في الكلام الفصيح ، نحو قوله :
فطلقها فلست لها بكفؤ |
|
وإن لا يعل مفرقك الحسام |
التقدير : وأن لا تطلقها يعل ، فإن كان غير منفي بلا ، فلا يجوز ذلك إلا في ضرورة ، نحو قوله :
سقته الرواعد من صيف وإن |
|
من خريف فلن يعدما |
التقدير : وإن سقته من خريف فلن يعدم الري ، وذلك على أحد التخريجين في البيت ، وكذلك حذف فعل الشرط وفعل الجواب دون أن يجوز في الضرورة ، نحو قوله :
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن |
|
كان عييا معدما قالت وإن |
التقدير : وإن كان عييا معدما أتزوجه. وأما حذف فعل الشرط وأداة الشرط معا ، وإبقاء الجواب ، فلا يجوز إذا لم يثبت ذلك من كلام العرب. وأما جزم الفعل بعد الأمر والنهي وأخواتهما فله. ولتعليل ما ذكرنا من الأحكام مكان آخر يذكر في علم النحو. وظاهر قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أنه كما قلنا : إخبار عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك. وقال ابن عطية : معناه على الباقين ، وجعل الله القتل لمن قتل شهادة ، وتاب على الباقين وعفا عنهم ، انتهى كلامه. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) : تقدم الكلام على هذه الجملة عند قوله تعالى في قصة آدم : (فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١) ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) : هذه محاورة بني إسرائيل لموسى ، وذلك بعد محاورته لهم في الآية قبل هذا. والضمير في قلتم قيل للسبعين المختارين ، قاله ابن مسعود وقتادة ، وذكر
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٧.