ذلك ، وقال ابن جبير : ثلج هلك به منهم سبعون ألفا ، وقال ابن عباس : ظلمة وموت مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا وهلك سبعون ألفا عقوبة. والذي يدل عليه القرآن أنه أنزل عليهم عذاب ولم يبين نوعه ، إذ لا كبير فائدة في تعليق النوع. (مِنَ السَّماءِ) : إن فسر الرجز بالثلج كان كونه من السماء ظاهرا ، وإن فسر بغيره فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء عليهم ، أو مبالغة في علوه بالقهر والاستيلاء. (بِما كانُوا) ، ما : مصدرية التقدير بكونهم. (يَفْسُقُونَ). وأجاز بعضهم أن تكون بمعنى الذي ، وهو بعيد. وقرأ النخعي وابن وثاب وغيرهما بكسر السين ، وهي لغة. قال أبو مسلم : هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله : (عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا). وفائدة التكرار التأكيد ، لأن الوصف دال على العلية ، فالظاهر أن التبديل سببه الظلم ، وأن إنزال الرجز سببه الظلم أيضا. وقال غير أبي مسلم : ليس مكرر الوجهين : أحدهما : أن الظلم قد يكون من الصغائر ، (رَبَّنا ظَلَمْنا) (١) ، ومن الكبائر : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢) والفسق لا يكون إلا من الكبائر. فلما وصفهم بالظلم أوّلا وصفهم بالفسق الذي هو لا بد أن يكون من الكبائر. والثاني : أنه يحتمل أنهم استحقوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل ونزول الرجز عليهم من السماء ، لا بسبب ذلك التبديل بل بالفسق الذي فعلوه قبل ذلك التبديل ، وعلى هذا يزول التكرار. انتهى.
وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، وترتيب العذاب على هذا التبديل على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر. وقال قوم : يجوز ذلك إذا كانت الكلمة تسدّ سدّها ، وعلى هذا جرى الخلاف في قراءة القرآن بالمعنى ، وفي تكبيرة الإحرام ، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك ، وفي نقل الحديث بالمعنى. وذكروا أن في الآية سؤالات : الأول : قوله هنا ، (وَإِذْ قُلْنَا) ، وفي الأعراف : (وَإِذْ قِيلَ) (٣). وأجيب بأنه صرح بالفاعل في البقرة لإزالة الإبهام ، وحذف في الأعراف للعلم به في سورة البقرة. الثاني : قال هنا : ادخلوا ، وهناك اسكنوا. وأجيب بأن الدخول مقدّم على السكنى ، فذكر الدخول في السورة المتقدّمة. والسكنى في المتأخرة. الثالث : هنا خطاياكم ، وهناك : خطيئتكم. وأجيب بأن الخطايا جمع كثرة ، فناسب حيث قرن به ما يليق بجوده ، وهو غفران الكثير. والخطيئات جمع قلة لما لم يضف ذلك إلى
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٢٣.
(٢) سورة لقمان : ٣١ / ١٣.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٦١.