وقيل : معناه التصقت بهم ، من ضربت الحائط بالطين : ألصقته به. وقيل : معناه جعلت من ضربت الطين خزفا ، أي جعلت عليهم الذلة والمسكنة. أما الذلة فقيل : هي هوانهم بما ضرب عليهم من الجزية التي يؤدّونها عن يد وهم صاغرون ، وقيل : هي ما ألزموا به من إظهار الزيّ ليعلم أنهم يهود ، ولا يلتبسوا بالمسلمين ، وقيل : فقر النفس وشحها ، فلا ترى ملة من الملل أذل وأحرص من اليهود. وأما المسكنة : فالخشوع ، فلا يرى يهودي إلا وهو بادي الخشوع ، أو الخراج ، وهو الجزية ، قاله الحسن وقتادة ، أو الفاقة والحاجة ، قاله أبو العالية ، أو ما يظهرونه من سوء حالهم مخافة أن تضاعف عليهم الجزية ، أو الضعف ، فتراه ساكن الحركات قليل النهوض. واستبعد صاحب المنتخب قول من فسر الذلة بالجزية ، لأن الجزية لم تكن مضروبة عليهم من أول أمرهم. وقيل : هو من المعجزات ، لأنه أخبر عنه صلىاللهعليهوسلم. فكان كما أخبر ، والمضروب عليهم الذلة والمسكنة اليهود المعاصرون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله الجمهور ، أو الذين كفروا بآيات الله وقتلوا الأنبياء بغير حق. والقائلون : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ) (١) ، ومن تابعهم من أبنائهم أقوال ثلاثة.
(وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) : تقدم تفسير باء ، فعلى من قال : باء : رجع ، تكون الباء للحال ، أي مصحوبين بغضب ، ومن قال : استحق ، فالباء صلة نحو : لا يقرأن بالسور : أي استحقوا غضبا ، ومن قال : نزل وتمكن أو تساووا ، والباء ظرفية ، فعلى القول الأول تتعلق بمحذوف ، وعلى الثاني لا تتعلق ، وعلى الثالث بنفس باء. وزعم الأخفش أن الباء في قوله بغضب للسبب ، فعلى هذا تتعلق بباء ، ويكون مفعول باء محذوفا ، أي استحقوا العذاب بسبب غضب الله عليهم. وباء يستعمل في الخير : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) (٢) ، (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) (٣) ، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) (٤). وفي الشر : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) (٥) ، (أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) (٦) ، (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) (٧). وقد جاء استعمال المعنيين في الحديث : «أبوء بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي». وقال بعض الناس : باء لا تجيء إلا في الشر. والغضب هنا ما حل بهم من البلاء والنقم في الدنيا ، أو ما يحل بهم من العذاب في الآخرة. ويكون باؤوا في معنى يبوؤون ، نحو (أَزِفَتِ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٨ ـ ٧٠ ، وسورة الأعراف : ٧ / ١٣٤.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٨.
(٣) سورة يونس : ١٠ / ٩٣.
(٤) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٩.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ١١٢.
(٦) سورة المائدة : ٥ / ٢٩.
(٧) سورة البقرة : ٢ / ٩٠.