في السبت : متعلق باعتدوا ، إما على إضمار يوم ، أو حكم. والحامل على الاعتداء قيل : الشيطان وسوس لهم وقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، ولم تنهوا عن حبسها ، فأطاعوه ، ففعلوا ذلك. وقيل : لما فعل ذلك بعضهم ، ولم يجعل له عقوبة ، وتشبه به أناس منهم ، وفعلوا لفعله ، ظنوا أن السبت قد أبيح لهم ، فتمالأ على ذلك جمع كبير ، فأصابهم ما أصابهم. وقيل : أقدموا على ذلك متأولين ، لأنه أمرهم بترك العمل يوم السبت ، وقالوا : إنما نهانا الله عن أسباب الاكتساب التي تشغلنا عن العبادة ، ولم ينهنا عن العمل اليسير. وقيل : فعل ذلك أوباشهم تحريا وعصيانا ، فعم الله الجميع بالعذاب.
(فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا) : أمر من الكون وليس بأمر حقيقة ، لأن صيرورتهم إلى ما ذكر ليس فيه تكسب لهم ، لأنهم ليسوا قادرين على قلب أعيانهم قردة ، بل المراد منه سرعة الكون على هذا الوصف ، كقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) ، ومجازه : أنه لما أراد منهم ذلك صاروا كذلك. وظاهر القرآن مسخهم قردة. وقيل : لم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم ، كما قال تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) (٢) ، قاله مجاهد. وقيل : مسخت قلوبهم حتى صارت كقلوب القردة ، لا تقبل وعظا ولا تعي زجرا ، وهو محكي عن مجاهد أيضا. والقول الأول هو قول الجمهور ، ويجوز أن يبقي الله لهم فهم الإنسانية بعد صيرورتهم قردة. وروي في بعض قصصهم : أن الواحد منهم كان يأتيه الشخص من أقاربه الذين نهوهم فيقول له : ألم أنهك؟ فيقول له برأسه : بلى ، وتسيل دموعه على خده ، ولم يتعرض في هذا المسخ شيء منهم خنازير. وروي عن قتادة : أن الشباب صاروا قردة ، والشيوخ صاروا خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم. وروي في قصصهم : أن الله تعالى مسخ العاصين قردة بالليل ، فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم ، فلم يروا أحدا من الهالكين ، فقالوا : إن للناس لشأنا ، ففتحوا عليهم الأبواب ، كما كانت مغلقة بالليل ، فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة. وقيل : إن الناجين قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار تبريا منهم ، فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين ، فتسوروا عليهم الجدار ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض. قال قتادة : وصاروا قردة تعاوي ، لها أذناب ، بعد ما كانوا رجالا ونساء.
(قِرَدَةً خاسِئِينَ) : كلاهما خبر كان ، والمعنى : أنهم يكونون قد جمعوا بين القردة
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٤٠.
(٢) سورة الجمعة : ٦٢ / ٥.