فإذا صحح أحدهم تجربة مطبعة صار منقحا وإذا نقح كتابا صار محققا وإذا عزا بعض الآيات في النص سمي شارحا وإذا كتب شروح وهوامش عن كتب أخرى جمع الصفات كلها فهو محقق وموثق ومعلق وشارح ... إلخ ونسأل الله العفو والعافية.
بعد هذا ، يسرنا أن نقدم للقارىء العزيز كتاب البحر المحيط في التفسير مجردا مصححا ومنقحا مع إدخال الآيات القرآنية من المصحف وعزو الآيات المستدل بها في الشرح كما وضعه مؤلفه ابي حيان رحمهالله. وذلك بعد أن ساءت الطبعات السابقة وبليت حروفها ومسحت سطورها وأصبحت مانعة من الفائدة المرجوة من هذا التفسير النفيس.
وصاحب البحر المحيط هو : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي الجياني الغرناطي ، الإمام الكبير في العربية والبلاغة والتفسير.
ولد سنة ٦٥٤ ستمائة وأربع وخمسون ، ونشأ في غرناطة الأندلس ، ويحدثنا هو عن نفسه فيقول : ... من لدن ميزّت أتلمذ للعلماء وانحاز للفقهاء وأرغب في مجالستهم ، أسلك طريقهم وأتبع فريقهم ... وما زال يتنقل بين العلماء ويقتبس من أنوارهم ويقطف من أزهارهم ، ويلتقط من نثارهم ، يتوسد أبواب العلماء مؤثرا العلم على الأهل والمال والولد ، ويرتحل من بلد إلى بلد حتى القت به بمصر عصا التسيار.
قرأ كتب النحو واللغة ودواوين مشاهير العرب فأخذ معرفة الأحكام للكلم العربية عن أبي جعفر إبراهيم الثقفي من كتاب سيبويه وغيره.
وأخذ علم البيان والبديع عن تصانيف كثيرة أجمعها كتاب أبي عبد الله محمد بن سليمان النقيب ، وعن أبي الحسن حازم بن محمد الأندلسي الأنصاري القرطاجني ، مقيم تونس. وأخذ أيضا هذا الفن عن استاذه أبي جعفر بن الزبير.
وسمع وروى الكتب الأمهات في الحديث والسنن وسمع من علم الكلام مسائل على الشيخ شمس الدين الأصفهاني.
أما القراءات وهو الإمام فيها ، فقد تلاها إفرادا وجمعا على مشايخ الأندلس ، فقرأ القرآن بقراءة السبعة بجزيرة الأندلس ، وقرأ الثمان بثغر الاسكندرية ، وقرأ القرآن ثانية بالقراءات السبعة بمصر ، وألف في القراءات كتابة عقد اللآلئ على وزن الشاطبية وقافيتها.
ومشايخه كثير حتى قال : إن عدة من أخذ عنه أربعمائة وخمسون عالما ، ومنهم الوجيه الدهان والقطب القسطلاني وابن الأنماطي ، ولازم ابن النحاس.