الإخبار عن الله تعالى بما لم يخبر به الله إنما يكون ذلك من الجهل بالله تعالى. وقوله : من الجاهلين ، فيه تصريح أن ثم جاهلين ، واستعاذ بالله أن يكون منهم ، وفيه تعريض أنهم جاهلون ، وكأنه قال : أن أكون منكم ، لأنهم جوّزوا على من هو معصوم من الكذب ، وخصوصا في التبليغ ، عن الله أن يخبر عن الله بالكذب. قالوا : والجهل بسيط ، ومركب البسيط : عام وخاص. العام : عدم العلم بشيء من المعلومات ، والخاص : عدم العلم ببعض المعلومات ، والمركب : أن يجهل ، ويجهل أنه يجهل. فالعام والمركب لا يوصف بهما من له بعض علم ، فضلا عن نبي شرف بالرسالة والتكليم ، وذلك مستحيل عليه ، فيستحيل أن يستعيذ منه إلا على سبيل الأدب. فالذي استعاذ منه موسى هو خاص ، وهو المفضي إلى أن يخبر عن الله تعالى مستهزئا ، أو المقابل لجهلهم. فقالوا : أتتخذنا هزوا لمن يخبرهم عن الله ، أو معناه الاستهزاء بالمؤمنين. فإن ذلك جهل ، أو من الجاهلين بالجواب ، لا على وفق السؤال ، إذ ذاك جهل ، والأمر من تلقاء نفسي ، وأنسبه إلى الله ، والخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء ، فإن ذلك جهل. وهذه الوجوه الستة مستحيلة على موسى. قيل : وإنما استعاذ منها بطريق الأدب ، كما استعاذ نوح عليهالسلام (أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) (١) ، وكما في : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) ، وإنما قالوا ذلك بطريق الأدب مع الله والتواضع له.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ، لما قال لهم موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، وعلموا أن ما أخبرهم به موسى من أمر الله إياهم بذبح البقرة كان عزيمة وطلبا ، جاز ما قالوا له ذلك ، وهذا القول أيضا فيه تعنيت منهم وقلة طواعية ، إذ لو امتثلوا فذبحوا بقرة ، لكانوا قد أتوا بالمأمور ، ولكن شدّدوا ، فشدد الله عليهم ، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما. وكسر العين من ادع لغة بني عامر ، وقد سبق ذكر ذلك في (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا) (٢) ، وجزم يبين على جواب الأمر. وما هي : مبتدأ وخبر. وقرأ عبد الله : سل لنا ربك يبين ما هي ، ومفعول يبين : هي الجملة من المبتدأ والخبر ، والفعل معلق ، لأن معنى يبين لنا يعلمنا ما هي ، لأن التبيين يلزمه الإعلام ، والضمير في هي عائد على البقرة السابق ذكرها ، وكأنهم قالوا : يبين لنا ما البقرة التي أمرنا بذبحها ، ولم يريدوا تبيين ماهية البقرة ، وإنما هو سؤال عن الوصف ، فيكون على حذف مضاف ، التقدير : ما صفتها؟ ولذلك أجيبوا بالوصف ، وهو قوله : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ). وإنما سألوا على طريق التعنت ، كما
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٦١.