الحسن مرفوعا ، إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفس محمد بيده لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا فشدّد الله عليهم». وإنما اختص البقر من سائر الحيوانات لأنهم كانوا يعظمون البقر ويعبدونها من دون الله ، فاختبروا بذلك ، إذ هذا من الابتلاء العظيم ، وهو أن يؤمر الإنسان بقتل من يحبه ويعظمه ، أو لأنه أراد تعالى أن يصل الخير للغلام الذي كان بارّا بأمّه. وقال طلحة بن مصرّف : لم تكن من بقر الدنيا ، بل نزلت من السماء. وقال بعض أهل العلم : البقر سيد الحيوانات الإنسية.
وقرأ : (أَتَتَّخِذُنا)؟ الجمهور : بالتاء ، على أن الضمير هو لموسى. وقرأ عاصم الجحدري وابن محيصن بالياء ، على أن الضمير لله تعالى ، وهو استفهام على سبيل الإنكار. (هُزُواً) ، قرأ حمزة ، وإسماعيل ، وخلف في اختياره ، والقزاز ، عن عبد الوارث والمفضل ، بإسكان الزاي. وقرأ حفص : بضم الزاي والواو بدل الهمز. وقرأ الباقون : بضم الزاي والهمزة ، وفيه ثلاث لغات التي قرىء بها ، وانتصابه على أنه مفعول ثان لقوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) ، فإما أن يريد به اسم المفعول ، أي مهزوأ ، كقوله : درهم ضرب الأمير ، وهذا خلق الله ، أو يكون أخبروا به على سبيل المبالغة ، أي أتتخذنا نفس الهزؤ ، وذلك لكثرة الاستهزاء ممن يكون جاهلا ، أو على حذف مضاف ، أي مكان هزء ، أو ذوي هزء ، وإجابتهم نبيهم حين أخبرهم عن أمر الله بأن يذبحوا بقرة ، بقولهم : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) دليل على سوء عقيدتهم في نبيهم وتكذيبهم له ، إذ لو علموا أن ذلك إخبار صحيح عن الله تعالى ، لما كان جوابهم إلا امتثال الأمر ، وجوابهم هذا كفر بموسى. وقال بعض الناس : كانوا مؤمنين مصدقين ، ولكن جرى هذا على نحو ما هم عليه من غلظ الطبع والجفاء والمعصية. والعذر لهم أنهم لما طلبوا من موسى تعيين القاتل فقال لهم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا) ، رأوا تباين ما بين السؤال والجواب وبعده ، فتوهموا أن موسى داعبهم ، وقد لا يكون أخبرهم في ذلك الوقت بأن القتيل يضرب ببعض البقرة المذبوحة فيحيا ويخبر بمن قتله ، أو يكون أخبرهم بذلك ، فتعجبوا من إحياء ميت ببعض ميت ، فظنوا أن ذلك يجري مجرى الاستهزاء. وقيل : في الكلام محذوف تقديره : آلله أمرك أن تتخذنا هزوا؟ وقيل : هو استفهام حقيقة ليس فيه إنكار ، وهو استفهام استرشاد لا استفهام إنكار وعناد.
(قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، لما فهم موسى عليهالسلام عنهم أن تلك المقالة التي صدرت عنهم إنما هي لاعتقادهم فيها أنه أخبر عن الله بما لم يأمر به ، استعاذ بالله وهو الذي أخبر عنه ، أن يكون من الجاهلين بالله ، فيخبر عنه بأمر لم يأمر به تعالى ، إذ