قيل : أرادوا كلا ذينك ، فأطلق المفرد وأراد به المثنى ، فيحتمل أن تكون الآية من ذلك ، فيكون أطلق ذلك ويريد به ذينك ، وهذا مجمل غير الأوّل. والذي أذهب إليه غير ما ذكروا ، وهو أن يكون ذلك مما حذف منه المعطوف ، لدلالة المعنى عليه ، التقدير : عوان بين ذلك وهذا ، أي بين الفارض والبكر ، فيكون نظير قول الشاعر :
فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلا ليال قلائل |
أي : فما كان بين الخير وباغيه ، فحذف لفهم المعنى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (١) أي والبرد. وإنما جعلت عوانا لأنه أكمل أحوالها ، فالصغيرة ناقصة لتجاوزها حالته. (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) : أي من ذبح البقرة ، ولا تكرروا السؤال ، ولا تعنتوا في أمر ما أمرتم بذبحه. ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول الله ، ويحتمل أن تكون من قول موسى ، وهو الأظهر. حرّضتم على امتثال ما أمروا به ، شفقة منه. وما موصولة ، والعائد محذوف تقديره : ما تؤمرونه ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ تقدّم أن الله يأمركم ، ولتناسب أواخر الآي ، كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات في قوله :
ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع
إذ آخر البيت الذي قبل هذا قوله :
وما يدرون أين المصارع
وأجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية ، أي : فافعلوا أمركم ، ويكون المصدر بمعنى المفعول ، أي مأموركم ، وفيه بعد (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) لما تعرّفوا سنّ هذه ، شرعوا في تعرف لونها ، وذلك كله يدل على نقص فطرهم وعقولهم ، إذ قد تقدّم أمران : أمر الله لهم بذبح بقرة ، وأمر المبلغ عن الله ، الناصح لهم ، المشفق عليهم ، بقوله : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) ، ومع ذلك لم يرتدعوا عن السؤال عن لونها ، والقول في : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) ، وفي جزم : (يُبَيِّنْ) ، وفي الجملة المستفهم بها والمحذوف بعده سبق نظيره في الآية قبله ، فأغنى عن ذكره. (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ) : قال الجمهور : هو اللون المعروف : ولذلك أكد بالفقوع والسرور ، فهي صفراء حتى القرن والظلف ، وقال الحسن وأبو عبيدة : عنى به هنا السواد ، قال الشاعر :
وصفراء ليست بمصفرّة |
|
ولكن سوداء مثل الحمم |
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٨١.