فالأولى أن يكون أشدّ خبر مبتدأ مضمر ، أي هي أشدّ ، قد بينا أن الأولى غير هذا ، لأنه تقدير لا حاجة إليه. قال الزمخشري : فإن قلت : لم قال أشدّ قسوة؟ وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل وفعل التعجب ، قلت : لكونه أبين وأدل على فرط القسوة. ووجه آخر ، وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ، ولكن قصد وصف القسوة بالشدّة ، كأنه قيل : اشتدّت قسوة الحجارة ، وقلوبهم أشدّ قسوة. انتهى كلامه. ومعنى قوله : وفعل القسوة مما يخرج منه أفعل التفضيل ، وفعل التعجب أن قسا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل ، وفعل التعجب بجواز اجتماع الشرائط المجوزة لبناء ذلك ، وهي كونه من فعل ثلاثي مجرد متصرف تام قابل للزيادة ، والنقص مثبت. وفي كونه من أفعل ، أو من كون ، أو من مبني للمفعول خلاف. وقرأ أبو حيوة : أو أشدّ قساوة ، وهو مصدر لقسا أيضا.
(وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) : لما شبه تعالى قلوبهم بالحجارة في القسوة ، ثم ذكر أنها أشد قسوة على اختلاف الناس في مفهوم ، أو بين أن هذا التشبيه إنما هو بالنسبة لما علمه المخاطب من صلابة الأحجار ، وأخذ يذكر جهة كون قلوبهم أشدّ قسوة : والمعنى أن قلوب هؤلاء جاسية صلبة لا تلينها المواعظ ، ولا تتأثر للزواجر ، وأن من الحجارة ما يقبل التخلخل ، وأنها متفاوتة في قبول ذلك ، على حسب التقسيم الذي أشار إليه تعالى ونتكلم عليه. فقد فضلت الأحجار على قلوبهم في أن منها ما يقبل التخلخل ، وأن قلوب هؤلاء في شدّة القساوة.
واختلف المفسرون في هذه الآية ، فقال قوم : إن قوله : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) إلى آخره ، هو على سبيل المثل ، بمعنى أنه لو كان الحجر ممن يعقل لسقط من خشية الله تعالى ، وتشقق من هيبته ، وأنتم قد جعل الله فيكم العقل الذي به إدراك الأمور ، والنظر في عواقب الأشياء ، ومع ذلك فقلوبكم أشدّ قسوة ، وأبعد عن الخير. وقال قوم : ليس ذلك على جهة المثل : بل أخبر عن الحجارة بعينها ، وقسمها لهذه الأقسام ، وتبين بهذا التقسيم كون قلوبهم أشدّ قسوة من الحجارة. وقرأ الجمهور : وإنّ مشدّدة ، وقرأ قتادة : وإن مخففة ، وكذا في الموضعين بعد ذلك ، وهي المخففة من الثقيلة ، ويحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون معملة ، ويكون من الحجارة في موضع خبرها ، وما في موضع نصب بها ، وهو اسمها ، واللام لام الابتداء ، أدخلت على الاسم المتأخر ، والاسم إذا تأخر جاز دخول اللام عليه ، نحو قوله : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) ، وأعمالها مخففة لا يجيزه الكوفيون ، وهم