ويكون مما حذف منه المبتدأ لدلالة المعنى عليه ، التقدير : وما من الحجارة حجر إلا يتفجر منه الأنهار ، وكذلك ما فيها ، كقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١) ، أي وما منا أحد إلا له مقام معلوم ، (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) (٢) ، أي وما من أهل الكتاب أحد ، وحذف هذا المبتدأ أحسن ، دلالة المعنى عليه ، إلا أنه يشكل معنى الحصر ، إذ يظهر بهذا التفضيل أن الأحجار متعدّدة ، فمنها ما يتفجر منه الأنهار ، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء ، ومنها ما يهبط من خشية الله. وإذا حصرت ، أفهم المفهوم قبله أن كل فرد فرد من الأحجار فيه هذه الأوصاف كلها ، أي تتفجر منه الأنهار ، ويتشقق منه الماء ، ويهبط من خشية الله. ولا يبعد ذلك إذا حمل اللفظ على القابلية ، إذ كل حجر يقبل ذلك ، ولا يمتنع فيه ، إذا أراد الله ذلك. فإذا تلخص هذا كله كانت القراءة متوجهة على تقدير : أن يقرأ طلحة ، وإن بالتخفيف. وأما إن صح عنه أنه يقرأ وإن بالتشديد ، فيعسر توجيه ذلك. وأما من زعم أن إن المشدّدة هي بمعنى ما النافية ، فلا يصح قوله ، ولا يثبت ذلك في لسان العرب. ويمكن أن توجه قراءة طلحة لما بالتشديد ، مع قراءة إن بالتشديد ، بأن يكون اسم إن محذوفا لفهم المعنى ، كما حذف في قوله :
ولكن زنجيّ عظيم المشافر
وفي قوله :
فليت دفعت الهم عني ساعة
وتكون لما بمعنى حين ، على مذهب الفارسي ، أو حرف وجوب لوجوب ، على مذهب سيبويه. والتقدير : وإن منها منقادا ، أو لينا ، وما أشبه هذا. فإذا كانوا قد حذفوا الاسم والخبر على ما تأوله بعضهم في لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال : إن وصاحبها ، فحذف الاسم وحده أسهل. وقرأ الجمهور : يتفجر بالياء ، مضارع تفجر. وقرأ مالك بن دينار : ينفجر بالياء ، مضارع انفجر ، وكلاهما مطاوع. أما يتفجر فمطاوع تفجر ، وأما ينفجر فمطاوع فجر مخففا. والتفجر : التفتح بالسعة والكثرة ، والانفجار دونه ، والمعنى : إن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يندفق منها الماء الكثير الغمر. وقرأ أبيّ والضحاك : منها الأنهار. وقرأ الجمهور منه ، فالقراءة الأولى حمل على المعنى ، وقراءة الجمهور على اللفظ ، لأن ما لها هنا لفظ ومعنى ، لأن المراد به الحجارة ، ولا يمكن أن يراد به مفردا
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٦٤.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٥٩.