يشفعون لهم ، أو ما يمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة ، أو لا يعلمون إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فنقلوها على التقليد ، قاله ابن عباس ومجاهد ، واختاره الفراء. وقيل : معناه إلا تلاوة ، أي لا يعلمون فقه الكتاب ، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم. قال أبو مسلم : حمله على تمني القلب أولى ، لقوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) (١). وقرأ الجمهور : أماني ، بالتشديد. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن جمار ، عن نافع وهارون ، عن أبي عمرو : أماني بالتخفيف ، جمعه على أفاعل ، ولم يعتد بحرف المد الذي في المفرد. قال أبو حاتم : كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد ، فلك فيه التشديد والتخفيف مثل : أثافي ، وأغاني ، وأماني ، ونحوه. قال الأخفش هذا ، كما يقال في جمع مفتاح مفاتيح ومفاتح ، وقال النحاس : الحذف في المعتل أكثر ، كما قال :
وهل رجع التسليم أو يكشف العمى |
|
ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع |
(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ، إن هنا : هي النافية ، بمعنى ما ، وهم : مرفوع بالابتداء ، وإلا يظنون : في موضع الخبر ، وهو من الاستثناء المفرغ. وإذا كانت إن نافية ، فدخلت على المبتدأ والخبر ، لم يعمل عمل ما الحجازية ، وقد أجاز ذلك بعضهم ، ومن أجاز شرط نفي الخبر وتأخيره ، والصحيح أنه لا يجوز ، لأنه لم يحفظ من ذلك إلا بيت نادر وهو :
إن هو مستوليا على أحد |
|
إلا على أضعف المجانين |
وقد نسب السهيلي وغيره إلى سيبويه جواز إعمالها إعمال ما ، وليس في كتابه نص على ذلك. ومعنى يظنون ، قال مجاهد : يكذبون ، وقال آخرون : يتحدثون ، وقال آخرون : يشكون ، وهو التردد بين أمرين ، لا يترجح أحدهما على الناظر فيهما ، والأولى حمله على موضوعه الأصلي ، وهو الترجيح لأحد الأمرين على الآخر ، إذ لا يمكن حمله على اليقين ، ولا يلزم من الترجيح عندهم أن يكون ترجيحا في نفس الأمر. وقال مقاتل : معناه ليسوا على يقين ، إن كذب الرؤساء ، أو صدقوا ، بايعوهم. انتهى كلامه. وأتى بالخبر فعلا مضارعا ، ولم يأت باسم الفاعل ، لأنه يدل على حدوث الظن وتجدده لهم شيئا فشيئا ، فليسوا ثابتين على ظن واحد ، بل يتجدد لهم ظنون دالة على اضطراب عقائدهم واختلاف أهوائهم. وفي هذه الآية دليل على أن المعارف كسبية ، وعلى بطلان التقليد ، وعلى أن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١١.