حب الدنيا. وهذا الوعيد مرتب على كتابة الكتاب المحرّف ، وعلى إسناده إلى الله تعالى. وكلاهما منكر ، والجمع بينهما أنكر. وهذا يدل على تحريم أخذ المال على الباطل ، وإن كان برضا المعطي.
(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) : كتابتهم مقدمة ، نتيجتها كسب المال الحرام ، فلذلك كرر الويل في كل واحد منهما ، لئلا يتوهم أن الوعيد هو على المجموع فقط. فكل واحد من هذين متوعد عليه بالهلاك. وظاهر الكسب هو ما أخذوه على تحريفهم الكتاب من الحرام ، وهو الأليق بمساق الآية. وقيل : المراد بما يكسبون الأعمال السيئة ، فيحتاج في كلا القولين إلى اختصاص ، لأن ما يكسبون عام ، والأولى أن يقيد بما ذكرناه.
(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) سبب نزول هذه الآية : أنهم زعموا أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، قالوا : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم ، فتذهب جهنم وتهلك. روي ذلك عن ابن عباس. وقيل : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «اليهود من أهل النار» قالوا : نحن ثم تخلفوننا أنتم ، فقال : «كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم» فنزلت هذه الآية. وروي عنهم أنهم يعذبون سبعة أيام ، عدد أيام الدنيا ، سبعة آلاف لكل ألف يوم ، ثم ينقطع العذاب. وروي عنهم أنهم يعذبون أربعين يوما ، عدد عبادتهم العجل ، وقيل : أربعين يوما تحلة القسم. وقيل : أربعين ليلة ، ثم ينادي : اخرجوا كل مختون من بني إسرائيل ، فنزلت هذه الآية ، والضمير في : وقالوا ، عائد على الذين يكتبون الكتاب. جمعوا ، إلى تبديل كتاب الله وتحريفه ، وأخذهم به المال الحرام ، وكذبهم على أنه من عند الله ، الإخبار بالكذب البحت عن مدة إقامتهم في النار. وقد تقدم أن المس هو الإصابة ، أي لن تصيبنا النار إلا أياما ، استثناء مفرّغ ، أي لن تمسنا النار أبدا إلا أياما معدودة ، وقد تقدم ذكر العدد في الأيام بأنها سبعة أو أربعون. وقيل : أراد بقوله : معدودة ، أي قلائل يحصرها العدّ ، لا أنها معينة العد في نفسها.
ثم أخذ في رد هذه الدعوى والأخبار الكاذبة فقال : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أي مثل هذا الإخبار الجزم لا يكون إلا ممن اتخذ عند الله عهدا بذلك ، وأنتم لم تتخذوا به عهدا ، فهو كذب وافتراء. وأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يرد عليهم بهذا الاستفهام الذي يدل على إنكار ما قالوه. وهمزة الوصل من اتخذ ، انحذفت لأجل همزة الاستفهام ، ومن سهل بنقل حركتها