بهما كون الله قرن ذلك بعبادته تعالى ، ومن غريب الحكايات : أن عمر رأى امرأة تطوف بأبيها على ظهرها ، وقد جاءت به على ظهرها من اليمن ، فقال لها : جزاك الله خيرا ، لقد وفيت بحقه ، فقالت : ما وفيته ولا أنصفته ، لأن كان يحملني ويود حياتي ، وأنا أحمله وأود موته. واختلفوا فيما تتعلق به الباء في قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ) ، وفي انتصاب (إِحْساناً) على وجوه : أحدها : أن يكون معطوفا على لا تعبدون ، أعني على المصدر المنسبك من الحرف المصدري والفعل ، إذ التقدير عند هذا القائل بإفراد الله بالعبادة وبالوالدين ، أي وببر الوالدين ، أو بإحسان إلى الوالدين ، ويكون انتصاب إحسانا على المصدر من ذلك المضاف المحذوف ، فالعامل فيه الميثاق ، لأنه به يتعلق الجار والمجرور ، وروائح الأفعال تعمل في الظروف والمجرورات. الوجه الثاني : أن يكون متعلقا بإحسانا ، ويكون إحسانا مصدرا موضوعا موضع فعل الأمر ، كأنه قال : وأحسنوا بالوالدين. قالوا : والباء ترادف إلى في هذا الفعل ، تقول : أحسنت به وإليه بمعنى واحد ، وقد تكون على هذا التقدير على حذف مضاف ، أي وأحسنوا ببر الوالدين ، المعنى : وأحسنوا إلى الوالدين ببرهما. وعلى هذين الوجهين يكون العامل في الجار والمجرور ملفوظا به. قال ابن عطية : ويعترض هذا القول بأن المصدر قد تقدم عليه ما هو معمول له. انتهى كلامه. وهذا الاعتراض ، إنما يتم على مذهب أبي الحسن في منعه تقديم مفعول ، نحو : ضربا زيدا ، وليس بشيء ، لأنه لا يصح المنع إلا إذا كان المصدر موصولا بأن ينحل لحرف مصدري والفعل ، أما إذا كان غير موصول ، فلا يمتنع تقديمه عليه. فجائز أن تقول : ضربا زيدا ، وزيدا ضربا ، سواء كان العمل للفعل المحذوف العامل في المصدر ، أو للمصدر النائب عن الفعل ، لأن ذلك الفعل هو أمر ، والمصدر النائب عنه أيضا معناه الأمر. فعلى اختلاف المذهبين في العامل يجوز التقديم. الوجه الثالث : أن يكون العامل محذوفا ، ويقدر : وأحسنوا ، أو ويحسنون بالوالدين ، وينتصب إحسانا على أنه مصدر مؤكد لذلك الفعل المحذوف ، فتقديره : وأحسنوا ، مراعاة للمعنى ، لأن معنى لا تعبدون : لا تعبدوا ، أو تقديره : ويحسنون ، مراعاة للفظ لا تعبدون ، وإن كان معناه الأمر. وبهذين قدر الزمخشري هذا المحذوف. الوجه الرابع : أن يكون العامل محذوفا ، وتقديره : واستوصوا بالوالدين ، وينتصب إحسانا على أنه مفعول ، قاله المهدوي : الوجه الخامس : أن يكون العامل محذوفا ، وتقديره : ووصيناهم بالوالدين ، وينتصب إحسانا على أنه مفعول من أجله ، أي ووصيناهم بالوالدين إحسانا منا ، أي لأجل إحساننا ، أي أن التوصية بهما سببها إحساننا ، إما لأن من شأننا الإحسان ، أو