له : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (١) ، وقال تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢) ، (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) (٣) ، (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٤). ومن قال : لا يكون القول الحسن مع الكفار والفساق ، استدل بأنا أمرنا بلعنهم وذمهم ومحاربتهم ، وبقوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (٥).
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) : إن كان هذا الخطاب للمؤمنين ، فيكون من تلوين الخطاب. وقد تقدم الكلام على تفسير هاتين الجملتين. وإن كان هذا الخطاب لبني إسرائيل ، وهو الظاهر ، لأن ما قبله وما بعده يدل عليه ، فالصلاة هي التي أمروا بها في التوراة ، وهم إلى الآن مستمرون عليها. وروي عن ابن عباس : أن زكاة أموالهم كانت قربانا تهبط إليهم نار فتحملها ، فكان ذلك تقبله ، وما لا تفعل النار ذلك به ، كان غير متقبل. وقيل : الصلاة هي هذه المفروضة علينا ، والخطاب لمن بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أبناء اليهود ، ويحتمل ذلك وجهين : أحدهما : أن يكون أمرهم بالصلاة والزكاة أمرا بالإسلام. والثاني : على قول من يقول : إن الكفار مخاطبون بفروع الإيمان والزكاة هي هذه المفروضة ، وقيل : الصلاة والزكاة هنا الطاعة لله وحده. ومعنى هذا القول أنه كنى عن الطاعة لله تعالى بالصلاة والزكاة اللتين هما أعظم أركان الإسلام.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) : ظاهره أنه خطاب لبني إسرائيل الذين أخذ الله عليهم الميثاق. وقيل : هو خطاب لمعاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بني إسرائيل ، أسند إليهم تولي أسلافهم ، إذ هم كلهم بتلك السبيل ، قال نحوه ابن عباس وغيره. والمعنى : ثم توليتم عما أخذ عليكم من الميثاق ، والمعنيّ بالقليل القليل في عدد الأشخاص. فقيل : هذا القليل هو عبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل : من آمن قديما من أسلافهم ، وحديثا كعبد الله بن سلام وغيره. قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان ، أي لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم إلا إيمان قليل ، إذ لا ينفعهم ، والأول أقوى. انتهى كلامه ، وهو احتمال بعيد من اللفظ ، إذ الذي يتبادر إليه الفهم إنما هو استثناء أشخاص قليلين من الفاعل الذي هو الضمير في توليتم ، ونصب : قليلا ، على الاستثناء ،
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ١٢٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٨.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧٢.
(٤) سورة الأعراف : ٧ / ١٩٩.
(٥) سورة النساء : ٤ / ١٤٨.