لموصوف محذوف ، أي وقولوا للناس كلمة حسنى ، أو مقالة حسنى. وفي الوصف بها وجهان : أحدهما : أن تكون باقية على أنها للتفضيل ، واستعمالها بغير ألف ولام ولا إضافة لمعرفة نادر ، وقد جاء ذلك في الشعر ، قال الشاعر :
وإن دعوت إلى جلى ومكرمة |
|
يوما كرام سراة الناس فادعينا |
فيمكن أن تكون هذه القراءة من هذا لأنها قراءة شاذة. والوجه الثاني : أن تكون ليست للتفضيل ، فيكون معنى حسنى : حسنة ، أي وقولوا للناس مقالة حسنة ، كما خرجوا يوسف أحسن إخوته في معنى : حسن إخوته. وأما من قرأ : إحسانا فيكون نعتا لمصدر محذوف ، أي قولا إحسانا ، وإحسانا مصدر من أحسن الذي همزته للصيرورة ، أي قولا ذا حسن ، كما تقول : أعشبت الأرض إعشابا ، أي صارت ذات عشب. واختلف المفسرون في معنى قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ، فقال ابن عباس : قولوا لهم لا إله إلا الله ، ومروهم بها. وقال ابن جريج : قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو العالية : قولوا لهم القول الطيب ، وجاوبوهم بأحسن ما تحبون أن تجاوبوا به. وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر. وقال ابن عباس أيضا صدقا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم. واختلفوا في المخاطب بقوله : وقولوا للناس حسنا ، من هو؟.
فالظاهر أنه من جملة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل : أن لا تعبدوا إلا الله ، وأن تقولوا للناس حسنا. وعلى قراءة من قرأ : لا يعبدون بالياء ، يكون التفاتا ، إذ خرج من الغيبة إلى الخطاب. وقيل : المخاطب الأمة ، والأول أقرب لتكون القصة واحدة مشتملة على مكارم الأخلاق ، ولتناسب الخطاب الذي بعد ذلك من قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ، إلى آخر الآيات فإنه ، لا يمكن إلا أن يكون في بني إسرائيل. وظاهر الآية يدل على أن الإحسان للوالدين ، ومن عطف عليه ، والقول الحسن للناس ، كان واجبا على بني إسرائيل في دينهم ، لأن أخذ الميثاق يدل على الوجوب ، وكذا ظاهر الأمر ، وكأنه ذمهم على التولي عن ذلك. وروي عن قتادة أن قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) منسوخ بآية السيف ، وهذا لا يتأتى إلا إذا قلنا إن المخاطب بها هذه الأمة ، ومن الناس من خصص هذا العموم بالمؤمنين ، أو بالدعاء إلى الله تعالى بما في الأمر بالمعروف ، فيكون تخصيصا بحسب المخاطب ، أو بحسب الخطاب. وزعم أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر أن هذا العموم باق على ظاهره ، وأنه لا حاجة إلى التخصيص. قيل : وهذا هو الأقوى. والدليل عليه ، أن هارون وموسى ، على نبينا وعليهما الصلاة والسلام ، أمرا بالرفق مع فرعون ، وكذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قيل