عموم رحمته لذي القربى ، واليتامى والمساكين ، وأن يقول للناس حسنا. وحقيقة العبودية الصدق مع الحق ، والرفق مع الخلق. انتهى ، وبعضه مختصر.
وقال بعض أهل الإشارات : الأسباب المتقرّب بها إلى الله تعالى : اعتقاد وقول وعمل ونية. فنبه بقوله : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، على مقام التوحيد ، واعتقاد ما يجب له على عباده من الطاعات والخضوع منفردا بذلك ، ومالية محضة وهي : الزكاة ، وبدنية محضة وهي : الصلاة ، وبدنية ومالية وهو : برّ الوالدين والإحسان إلى اليتيم والمسكين.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) : الكلام على : (تَسْفِكُونَ) ، كالكلام على : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) من حيث الإعراب. وقرأ الجمهور : بفتح التاء وسكون السين وكسر الفاء. وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي جمزة ؛ كذلك ، إلا أنهما ضما الفاء. وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز : بضم التاء وفتح السين وكسر الفاء المشددة. وقرأ ابن أبي إسحاق : كذلك ، إلا أنه سكن السين وخفف الفاء ، وظاهر قوله : (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) ، أي لا تفعلون ذلك بأنفسكم لشدّة تصيبكم وحنق يلحقكم. وقد جاء في الحديث أمر الذي وضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. وإخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه من أهل النار. وصح من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده ، يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. وتظافرت على تحريم قتل النفس الملل. وقال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (١). وقيل معناه : لا تسفكوا دماء الناس ، فإن من سفك دماءهم سفكوا دمه ، وقال :
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها |
|
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا |
وقيل : معناه لا تقتلوا أنفسكم بارتكابكم ما يوجب ذلك ، كالارتداد والزنا بعد الإحصان والمحاربة ، وقتل النفس بغير حق ونحو ذلك ، مما يزيل عصمة الدماء. وقيل : معناه لا يسفك بعضكم دماء بعض ، وإليه أشار بقوله : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وكل أهل دين كنفس واحدة ، قاله قتادة ، واختاره الزمخشري. قال ابن عطية : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقا أن لا يقتل بعضهم بعضا ، ولا ينفيه ، ولا يسترقه ، ولا يدعه يسترق ، إلى غير ذلك من الطاعات. والخطاب في أخذنا ميثاقكم لعلماء اليهود الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو مع أسلافهم.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٩.