(وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) معناه : لا يخرج بعضكم بعضا ، أو لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجئوهم إلى الخروج من دياركم ، أو لا تفعلوا ما تخرجون به أنفسكم من الجنة التي هي داركم ، أو لا تخرجون أنفسكم ، أي إخوانكم ، لأنكم كنفس واحدة ، أو لا تفسدوا ، فيكون سببا لإخراجكم من دياركم ، كأنه يشير إلى تغريب الجاني ، أو لا تفسدوا وتشاقوا الأنبياء والمؤمنين ، فيكتب عليكم الجلاء. أقوال ستة. (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) : أي بالميثاق ، واعترفتم بلزومه ، أو اعترفتم بقبوله ، أو رضيتم به ، كما قال البعيث :
ولست كليبيا إذا سيم خطة |
|
أقر كإقرار الحليلة للبعل |
(وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) : أي تعلمون أن الله أخذه عليكم ، وأراد على قدماء بني إسرائيل ، إن كان الخطاب واردا عليهم ، وإن كان على معاصريه ، صلىاللهعليهوسلم من أبنائهم ، فمعناه : وأنتم تشهدون على أسلافكم بما أخذه الله عليهم من العهد ، إما بالنقل المتواتر ، وإما بما تتلونه من التوراة. وإن كان معنى الشهادة الحضور ، فيتعين أن يكون الخطاب لأسلافهم. وقال بعض المفسرين : ثم أقررتم عائد إلى الخلف ، وأنتم تشهدون عائد إلى السلف ، لأنهم عاينوا سفك دماء بعضهم بعضا. وقال : وأنتم تشهدون لأن الأوائل والأصاغر صاروا كالشيء الواحد ، فلذلك أطلق عليهم خطاب الحضرة. وقيل : إن قوله وأنتم تشهدون للتأكيد ، كقولك ، فلان مقرّ على نفسه بكذا ، شاهد عليها.
(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) : هذا استبعاد لما أخبر عنهم به من القتل والإجلاء والعدوان ، بعد أخذ الميثاق منهم ، وإقرارهم وشهادتهم. واختلف المعربون في إعراب هذه الجملة ، فالمختار أن أنتم مبتدأ ، وهؤلاء خبر ، وتقتلون حال. وقد قالت العرب : ها أنت ذا قائما ، وها أنا ذا قائما. وقالت أيضا : هذا أنا قائما ، وها هو ذا قائما ، وإنما أخبر عن الضمير باسم الإشارة في اللفظ ، وكأنه قال : أنت الحاضر ، وأنا الحاضر ، وهو الحاضر. والمقصود من حيث المعنى الإخبار بالحال. ويدل على أن الجملة حال مجيئهم بالاسم المفرد منصوبا على الحال ، فيما قلناه من قولهم : ها أنت ذا قائما ونحوه. قال الزمخشري : والمعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون ، يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين ، تنزيلا لتغير الصفة منزلة تغير الذات ، كما تقول : رجعت بغير الوجه الذي خرجت به. وقوله : (تَقْتُلُونَ) بيان لقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ). انتهى كلامه. والظاهر أن المشار إليه بقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، هم المخاطبون أوّلا ، فليسوا قوما آخرين. ألا ترى