أن هذا التقدير الذي قدّره الزمخشري من تنزيل تغير الصفة منزلة تغير الذات لا يتأتى في نحو : ها أنا ذا قائما ولا في ها أنتم أولاء؟ بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغير.
قال ابن عطية : وقال الأستاذ الأجلّ أبو الحسن بن أحمد : شيخنا ، هؤلاء : رفع بالابتداء ، وأنتم خبر مقدّم ، وتقتلون حال ، بها تم المعنى ، وهي كانت المقصود ، فهي غير مستغنى عنها ، وإنما جاءت بعد أن تم الكلام في المسند والمسند إليه ، كما تقول : هذا زيد منطلقا ، وأنت قد قصدت الإخبار بانطلاقه ، لا الإخبار بأن هذا هو زيد. انتهى ما نقله ابن عطية عن شيخه ، وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري ، من أهل بلدنا غرناظة ، يعرف بابن الباذش ، وهو والد الإمام أبي جعفر أحمد ، مؤلف (كتاب الإقناع في القراءات) ، وله اختيارات في النحو ، حدث بكتاب سيبويه عن الوزير أبي بكر محمد بن هشام المصحفي ، وعلق عنه في النحو على (كتاب الجمل والإيضاح) ومسائل من كتاب سيبويه. توفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. ولا أدري ما العلة في العدول عن جعل أنتم المبتدأ ، وهؤلاء الخبر ، إلى عكس هذا. والعامل في هذه الحال اسم الإشارة بما فيه من معنى الفعل. قالوا : وهو حال منه ، فيكون إذ ذاك قد اتحد ذو الحال والعامل فيها. وقد تكلمنا على هذه المسألة في (كتاب منهج السالك) من تأليفنا ، فيطالع هناك ، وذهب بعض المعربين إلى أن هؤلاء منادى محذوف منه حرف النداء ، وهذا لا يجوز عند البصريين ، لأن اسم الإشارة عندهم لا يجوز أن يحذف منه حرف النداء ، ونقل جوازه عن الفراء ، وخرج عليه الآية الزجاج وغيره ، جنوحا إلى مذهب الفراء ، فيكون على هذا القول يقتلون خبرا عن أنتم. وفصل بين المبتدأ والخبر بالنداء. والفصل بينهما بالنداء جائز ، وإنما ذهب من ذهب إلى هذا في هذه الآية ، لأنه صعب عنده أن ينعقد من ضمير المخاطب واسم الإشارة جملة من مبتدأ وخبر. وقد بينا كيفية انعقاد هذه الجملة ، وقد أنشدوا أبياتا حذف منها حرف النداء مع اسم الإشارة ، من ذلك قول رجل من طيء :
إن الأولى وصفوا قومي لهم فيهم |
|
هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا |
وذهب ابن كيسان وغيره إلى أن أنتم مبتدأ ، ويقتلون الخبر ، وهؤلاء تخصيص للمخاطبين ، لما نبهوا على الحال التي هم عليها مقيمون ، فيكون إذ ذاك منصوبا بأعني. وقد نص النحويون على أن التخصيص لا يكون بالنكرات ، ولا بأسماء الإشارة. والمستقرأ من لسان العرب أنه يكون أيا نحو : اللهم اغفر لنا ، أيتها العصابة ، أو معرّفا بالألف واللام