نبينا وعليه الصلاة والسلام ، مع التكذيب بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، مع أن الحجة في أمرهما سواء ، فجروا مجرى سلفهم ، أن يؤمنوا ببعض ، ويكفروا ببعض. قالوا : ويجوز أن يراد بالكتاب هنا المكتوب عليهم من هذه الأحكام الأربعة ، أي المفروض ، والذي آمنوا به منها فداء الأسرى ، والذي كفروا به باقي الأربعة.
(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : الجزاء يطلق في الخير والشر. قال : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) (١) ، وقال : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) (٢). والخزي هنا : الفضيحة ، والعقوبة ، والقصاص فيمن قتل أو ضرب الجزية غابر الدهر ، أو قتل قريظة وإجلاء النضير من منازلهم إلى أريحا ، وأذرعات ، أو غلبة العدوّ ، أقوال خمسة. ولا يتأتى القول بالجزية ولا الجلاء إلا إن حملنا الآية على الذين كانوا معاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والأولى أن يكون المراد هو الذمّ العظيم والتحقير البالغ من غير تخصيص. وإلّا خزي : استثناء مفرّغ ، وهو خبر المبتدأ. ونقض النفي هنا نقض لعمل ما على خلاف في المسألة ، وتفصيل وذلك : أن الخبر إذا تأخر وأدخلت عليه إلّا ، فإما أن يكون هو الأوّل ، أو منزلا منزلته ، أو وصفا ، إن كان الأول في المعنى ، أو منزلا منزلته ، لم يجز فيه إلا الرفع عند الجمهور. وأجاز الكوفيون النصب فيما كان الثاني فيه منزلا منزلة الأوّل ، وإن كان وصفا أجاز الفراء فيه النصب ، ومنعه البصريون. ونقل عن يونس : إجازة النصب في الخبر بعد إلا كائنا ما كان ، وهذا مخالف لما نقله أبو جعفر النحاس ، قال : لا خلاف بين النحويين في قولك : ما زيد إلا أخوك ، إنه لا يجوز إلا بالرفع. قال : فإن قلت ما أنت إلا لحيتك ، فالبصريون يرفعون ، والمعنى عندهم : ما فيك إلا لحيتك ، وكذا : ما أنت إلا عيناك. وأجاز في هذا الكوفيون النصب ، ولا يجوز النصب عند البصريين في غير المصادر ، إلا أن يعرف المعنى ، فتضمر ناصبا نحو : ما أنت إلا لحيتك مرة وعينك أخرى ، وما أنت إلا عمامتك تحسينا ورداءك تزيينا.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) : يوم القيامة عبارة عن زمان ممتد إلى أن يفصل بين العباد ، ويدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار. ومعنى يردّون : يصيرون ، فلا يلزم كينونتهم قبل ذلك في أشدّ العذاب ، أو يراد بالردّ : الرجوع إلى شيء كانوا فيه ، كما قال تعالى : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ) (٣) ، وكأنهم كانوا في الدنيا في أشدّ العذاب أيضا ،
__________________
(١) سورة الإنسان : ٧٦ / ١٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٣.
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ١٣.