عيسى بنفخه ، ورباه في جميع الأحوال ، وكان يسير معه حيث سار ، وكان معه حيث صعد إلى السماء.
(أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) : الهمزة أصلها للاستفهام ، وهي هنا للتوبيخ والتقريع. والفاء لعطف الجملة على ما قبلها ، واعتنى بحرف الاستفهام فقدم ، والأصل فأكلما. ويحتمل أن لا يقدر قبلها محذوف ، بل يكون العطف على الجمل التي قبلها ، كأنه قال : ولقد آتينا يا بني إسرائيل ، آتيناكم ما آتيناكم. فكلما جاءكم رسول. ويحتمل أن يقدر قبلها محذوف ، أي فعلتم ما فعلتم من تكذيب فريق وقتل فريق. وقد تقدم الكلام على كلما في قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) (١) ، فأغنى عن إعادته. والناصب لها قوله : (اسْتَكْبَرْتُمْ). والخطاب في جاءكم يجوز أن يكون عاما لجميع بني إسرائيل ، إذ كانوا على طبع واحد من سوء الأخلاق ، وتكذيب الرسل ، وكثرة سؤالهم لأنبيائهم ، والشك والارتياب فيما أتوهم به ، أو يكون عائدا إلى أسلافهم الذين فعلوا ذلك. وسياق الآيات يدل عليه أو إلى من بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أبنائهم ، لأنهم راضون بفعلهم ، والراضي كالفاعل. وقد كذبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به ، وسقوه السم ليقتلوه ، وسحروه. وبما : متعلق بقوله : جاءكم ، وما موصولة ، والعائد محذوف ، أي لا تهواه. وأكثر استعمال الهوى فيما ليس بحق ، ومنه هذه الآية. وأسند الهوى إلى النفس ، ولم يسند إلى ضمير المخاطب ، فكان يكون بما لا تهوون إشعارا بأن النفس يسند إليها غالبا الأفعال السيئة ، (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (٢) ، (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) (٣) ، (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (٤). استكبرتم : استفعل هنا : بمعنى تفعل ، وهو أحد معاني استفعل. وفسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الكبر بأنه سفه الحق وغمط الناس. والمعنى قيل : استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسول. أو استبعادا للرسالة ، وفي ذلك ما كانوا عليه من طبيعة الاستكبار الذي هو محل النقائص ونتيجة الإعجاب. وهو نتيجة الجهل بالنفس المقارن للجهل بالخالق ، وإن ذلك كان يتكرر منهم بتكرر مجيء الرسل إليهم ، وهو كما ذكرنا استكبار بمعنى التكبر ، وهو مشعر بالتكلف والتفعل ، لذلك لا أنهم يصيرون بذلك كبراء عظماء ، بل يتفعلون ذلك ولا يبلغون حقيقته ، لأن الكبرياء إنما هي لله تعالى ، فمحال أن يتصف بها غيره حقيقة.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٥٣.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٣٠.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ١٨.