الحق. وقد احتج الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر ، لأنه ثبت تعذيبه ، واحتج بها المرجئة على أن الفاسق لا يعذب لأنه ليس بكافر.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) : الأخبار عمن بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اليهود ، وسياق الآية يدل على أن المراد آباؤهم ، لأنهم هم الذين قتلوا الأنبياء ، وحسن ذلك أن الراضي بالشيء كفاعله ، وأنهم جنس واحد ، وأنهم متبعون لهم ومعتقدون ذلك ، وأنهم يتولونهم ، فهم منهم. (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، الجمهور : إنه القرآن ، وقال الزمخشري : مطلق فبما أنزل الله من كل كتاب. (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) : يريدون التوراة ، وما جاءهم من الرّسالات على لسان موسى ، ومن بعده من أنبيائهم ، وحذف الفاعل هنا للعلم به ، لأنه معلوم أنه لا ينزل الكتب الإلهية إلا الله أو لجريانه في قوله : (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، فحذف إيجازا إذ قد تقدم ذكره ، وذمّوا على هذه المقالة لأنهم أمروا بالإيمان بكل كتاب أنزله الله ، فأجابوا بأن آمنوا بمقيد ، والمأمور به عام ، فلم يطابق إيمانهم الأمر.
(وَيَكْفُرُونَ) : جملة استؤنف بها الإخبار عنهم ، أو جملة حالية ، العامل فيها قالوا : أي وهم يكفرون. (بِما وَراءَهُ) ، أي بما سواه ، وبه فسر (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١) ، و (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) (٢) ، أي بما بعده ، قاله قتادة ، أي ويكفرون بما بعد التوراة ، وهو القرآن ، أو بما وراءه ، أي بباطن معانيها التي وراء ألفاظها ، ويكون إيمانهم بظاهر لفظها. (وَهُوَ الْحَقُ) ، هو : عائد على القرآن ، أو على القرآن والإنجيل ، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا. (مُصَدِّقاً) : حال مؤكدة ، إذ تصديق القرآن لازم لا ينتقل. (لِما مَعَهُمْ) : هو التوراة ، أو التوراة والإنجيل ، لأنهما أنزلا على بني إسرائيل ، وكلاهما غير مخالف للقرآن ، وفيه رد عليهم ، لأن من لم يصدق ما وافق التوراة ، لم يصدق بها. وإذا دل الدليل على كون ذلك منزلا من عند الله ، وجب الإيمان به ، فالإيمان ببعض دون بعض متناقض. (قُلْ) : أي قل يا محمد ، وقل يا من يريد جدالهم. (فَلِمَ) : الفاء : جواب شرط مقدر ، التقدير : إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم (تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ)؟ لأن الإيمان بالتوراة واستحلال قتل الأنبياء لا يجتمعان ، فقولكم : إنكم آمنتم بالتوراة كذب وبهت ، لا يؤمن بالقرآن من استحل محارمه. وما استفهامية حذفت ألفها لأجل لام الجر. ويقف البزيّ بالهاء فيقول : فلمه ، وغيره يقف : فلم بغير هاء ، ولا يجوز هذا الوقف إلا للاختبار ، أو
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٤.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٧.