كقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) (١). (الْعِجْلَ) : هو على حذف مضافين ، أي حب عبادة العجل من قولك : أشربت زيدا ماء ، والإشراب مخالطة المائع الجامد ، وتوسع فيه حتى صار في اللونين ، قالوا : وأشربت البياض حمرة ، أي خلطتها بالحمرة ، ومعناه أنه داخلهم حب عبادته ، كما داخل الصبغ الثوب ، وأنشدوا :
إذا ما القلب أشرب حب شيء |
|
فلا تأمل له عنه انصرافا |
وقال ابن عرفة : يقال أشرب قلبه حب كذا ، أي حل محل الشراب ومازجه. انتهى كلامه. وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل ، لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها ، ولهذا قال بعضهم :
جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي |
|
فأصبح لي عن كل شغل بها شغل |
وأما الطعام فقالوا : هو مجاور لها ، غير متغلغل فيها ، ولا يصل إلى القلب منه إلا يسير ، وقال :
تغلغل حبّ عثمة في فؤادي |
|
فباديه مع الخافي يسير |
وحسن حذف ذينك المضافين ، وأسند الإشراب إلى ذات العجل مبالغة كأنه بصورته أشربوه ، وإن كان المعنى على ما ذكرناه من الحذف. وقيل : معنى اشربوا : أي شدّ في قلوبهم حب العجل لشغفهم به ، من أشربت البعير : إذا شددت حبلا في عنقه. وقيل : هو من الشرب حقيقة ، وذلك أنه نقل أن موسى عليهالسلام برد العجل بالمبرد ورماه في الماء وقال لهم : اشربوا ، فشرب جميعهم. فمن كان يحب العجل خرجت برادته على شفتيه ، وهذا قول يردّه قوله : (فِي قُلُوبِهِمُ). وروي أن الذين تبين لهم حب العجل أصابهم من ذلك الماء الجبن. وبناؤه للمفعول في قوله : وأشربوا ، دليل على أن ذلك فعل بهم ، ولا يفعله إلا الله تعالى. وقالت المعتزلة : جاء مبنيا للمفعول لفرط ولوعهم بعبادته ، كما يقال : معجب برأيه ، أو لأن السامري وإبليس وشياطين الإنس والجنّ دعوهم إليه ، ولما كان الشرب مادّة لحياة ما تخرجه الأرض ، نسب ذلك إلى المحبة ، لأنها مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال. (بِكُفْرِهِمْ) : الظاهر أن الباء للسبب ، أي الحامل لهم على عبادة العجل هو كفرهم السابق ، قيل : ويجوز أن يكون الباء بمعنى مع ، يعنون أن يكون للحال ، أي مصحوبا بكفرهم ، فيكون ذلك كفرا على كفر.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٠.