في بضارين. وقرأ الأعمش : بحذفها ، وخرّج ذلك على وجهين : أحدهما : أنها حذفت تخفيفا ، وإن كان اسم الفاعل في صلة الألف واللام. والثاني : أن حذفها لأجل الإضافة إلى أحد ، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور الذي هو به ، كما قال :
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
وكما قال :
كما حط الكتاب بكف يوما يهودي
وهذا اختيار الزمخشري ، ثم استشكل ذلك ، لأن أحدا مجرور بمن ، فكيف يمكن أن يعتقد فيه أنه مجرور بالإضافة؟ فقال : فإن قلت : كيف يضاف إلى أحد ، وهو مجرور بمن؟ قلت : جعل الجار جزأ من المجرور. انتهى. وهذا التخريج ليس بجيد ، لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ، والجار والمجرور من ضرائر الشعر ، وأقبح من ذلك أن لا يكون ثم مضاف إليه ، لأنه مشغول بعامل جر ، فهو المؤثر فيه لا الإضافة. وأما جعل حرف الجر جزأ من المجرور ، فهذا ليس بشيء ، لأنه مؤثر فيه. وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء ، والأجود التخريج الأول ، لأن له نظيرا في نظم العرب ونثرها. فمن النثر قول العرب ، قطا قطا بيضك ثنتا وبيضي مائتا ، يريدون : ثنتان ومائتان.
(مِنْ أَحَدٍ) ، من زائدة ، وأحد : مفعول بضارين. ومن تزاد في المفعول ، إلا أن المعهود زيادتها في المفعول الذي يكون معمولا للفاعل الذي يباشره حرف النفي نحو : ما ضربت من رجل ، وما ضرب زيد من رجل. وهنا حملت الجملة من غير الفعل والفاعل على الجملة من الفعل والفاعل ، لأن المعنى : وما يضرون من أحد. (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : مستثنى مفرغ من الأحوال ، فيحتمل أن يكون حالا من الضمير الفاعل في قوله : (بِضارِّينَ) ، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول الذي هو : (مِنْ أَحَدٍ) ، ويحتمل أن يكون حالا من به ، أي السحر المفرق به ، ويحتمل أن يكون حالا من الضرر المصدر المعرب المحذوف. والإذن هنا فسر الوجوه التي ذكرناها عند الكلام على المفردات. فقال الحسن : الإذن هنا : هو التخلية بين المسحور وضرر السحر. وقال الأصم : العلم. وقال غيره : الخلق ، ويضاف إلى إذنه قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) (١). وقيل : الأمر ، قيل : والإذن حقيقة فيه ، واستبعد ذلك ، لأن الله لا يأمر بالسحر ، ولأنه ذمّهم على ذلك. وأوّل معنى الأمر فيه بأن يفسر التفريق
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٧.