عام في جميع أنواع الخير ، فهم يودون انتفاء ذلك عن المؤمنين ، سبعة أقوال ، أظهرها الآخر. وسبب عدم ودهم ذلك : أما في اليهود ، فلكون النبوّة كانت في بني إسماعيل ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما النصارى ، فلتكذيبهم في ادعائهم ألوهية عيسى ، وأنه ابن الله ، ولخوفهم على رئاستهم ، وأما المشركون ، فلسبّ آلهتهم وتسفيه أحلامهم ، ولحسدهم أن يكون رجل منهم يختص بالرسالة ، واتباع الناس له.
(وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) : أي يفرد بها ، وضد الاختصاص : الاشتراك. ويحتمل أن يكون يختصّ هنا لازما ، أي ينفرد ، أو متعدّيا ، أي يفرد ، إذ الفعل يأتي كذلك. يقال : اختصّ زيد بكذا ، واختصصته به ، ولا يتعين هنا تعديه ، كما ذكر بعضهم ، إذ يصح ، والله يفرد برحمته من يشاء ، فيكون من فاعلة ، وهو افتعل من : خصصت زيدا بكذا. فإذا كان لازما ، كان لفعل الفاعل بنفسه نحو : اضطررت ، وإذا كان متعديا ، كان موافقا لفعل المجرّد نحو : كسب زيد مالا ، واكتسب زيد مالا. والرحمة هنا عامة بجميع أنواعها ؛ أو النبوّة والحكمة والنصرة ، اختص بها محمد صلىاللهعليهوسلم ، قاله عليّ والباقر ومجاهد والزجاج ؛ أو الإسلام ، قاله ابن عباس ؛ أو القرآن ، أو النبي صلىاللهعليهوسلم ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١) ، وهو نبي الرحمة ، أقوال خمسة ، أظهرها الأول.
(وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) : قد تقدّم أن ذو بمعنى صاحب. وذكر جملة من أحكام ذو ، والوصف بذو ، أشرف عندهم من الوصف بصاحب ، لأنهم ذكروا أن ذو أبدا لا تكون إلا مضافة لاسم ، فمدلولها أشرف. ولذلك جاء ذو رعين ، وذو يزن ، وذو الكلاع ، ولم يسمعوا بصاحب رعين ، ولا صاحب يزن ونحوها. وامتنع أن يقول في صحابي أبي سعيد أو جابر : ذو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجاز أن يقول : صاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ولذلك وصف الله تعالى نفسه بقوله : (ذُو الْجَلالِ) (٢) ، (ذُو الْفَضْلِ) ، وسيأتي الفرق بين قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (٣) ، وقوله تعالى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٤) ، إن شاء الله تعالى. وتقدّم تفسير (الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٥) ، ويجوز أن يراد به هنا : جميع أنواع التفضلات ، فتكون أل للاستغراق ، وعظمه من جهة سعته وكثرته ، أو فضل النبوّة. وقد وصف تعالى ذلك بالعظم في قوله : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (٦) ، أو الشريعة ، فعظمها من جهة بيان
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٧.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٧.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.
(٤) سورة القلم : ٦٨ / ٤٨.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ١٠٥.
(٦) سورة النساء : ٤ / ١١٣.