للتعدية أيضا ، وهو من نسخ الكتاب ، وهو نقله من غير إزالة له ، قال : ويكون المعنى ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله ، أي ذلك فعلنا ، فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك ، أو بمثله ، فتجيء الضميرات في منها وبمثلها عائدين على الضمير في ننسأها. انتهى كلامه. وذهل عن القاعدة النحوية ، وهي أن اسم الشرط لا بد في جوابه من عائد عليه. وما في قوله : ما ننسخ شرطية ، وقوله : أو ننساها ، عائد على الآية ، وإن كان المعنى ليس عائدا عليها نفسها من حيث اللفظ والمعنى ، إنما يعود عليها لفظا لا معنى ، فهو نظير قولهم : عندي درهم ونصفه ، فهو في الحقيقة على إضمار ما الشرطية. التقدير : أو ما ننسأ من آية ، ضرورة أن المنسوخ هو غير المنسوء ، لكن يبقى قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) مفلتا من الجواب ، إذ لا رابط فيه منه له ، وذلك لا يجوز ، فبطل هذا المعنى.
من آية ، من : هنا للتبعيض ، وآية مفرد وقع موقع الجمع ، ونظيره فارس في قولك : هذا أول فارس ، التقدير : أول الفوارس. والمعنى : أي شيء من الآيات. وكذلك ما جاء من هذا النحو في القرآن ، وفي كلام العرب تخريجه هكذا ، نحو قوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (١) ، (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ) (٢) ، وقولهم : من يضرب من رجل اضربه. ويتضح بهذا المجرور ما كان معمولا لفعل الشرط ، لأنه مخصص له ، إذ في اسم الشرط عموم ، إذ لو لم يأت بالمجرور لحمل على العموم. لو قلت : من يضرب أضرب ، كان عاما في مدلول من. فإذا قلت : من رجل ، اختص جنس الرجال بذلك ، ولم يدخل فيه النساء ، وإن كان مدلول من عامّا للنوعين. ولهذا المعنى جعل بعضهم من آية ، وما أشبهه في موضع نصب على التمييز. قال : والمميز ما قال ، والتقدير : أي شيء نسخ من آية. قال : ولا يحسن أن يقدر أي آية ننسخ ، لأنك لا تجمع بين آية وبين المميز بآية. لا تقول : أي آية ننسخ من آية ، ولا أي رجل يضرب من رجل أضربه. وجوّزوا أيضا أن تكون من زائدة ، وآية حالا. والمعنى : أي شيء ننسخ قليلا أو كثيرا. قالوا : وقد جاءت الآية حالا في قوله تعالى هذه : (ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) (٣) ، وهذا فاسد لأن ، الحال لا يجرّ بمن وجوّزوا أيضا أن تكون ما مصدرا ، وآية مفعولا به ، التقدير : أي نسخ ننسخ آية ، ومجيء ما الشرطية مصدرا
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٥٣.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٧٣.