نظير ما يقوله النحوي : الفاعل زيد من قولك ، قام زيد ، وآخر يقول : جعفر من خرج جعفر ، وآخر يقول : عمرو من انطلق عمرو ، وهذا أحسن ما يظن بالسلف رحمهمالله ، فيما جاء عنهم من هذا النوع.
(وَهُوَ مُحْسِنٌ) : جملة حالية ، وهي مؤكدة من حيث المعنى ، لأن من أسلم وجهه لله فهو محسن. وقد قيد الزمخشري الإحسان بالعمل ؛ وجعل معنى قوله : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) : من أخلص نفسه له ، لا يشرك به غيره ، وهو محسن في عمله ، فصارت الحال هنا مبينة ، إذ من لا يشرك قسمان : محسن في عمله ، وغير محسن ، وذلك منه جنوح إلى مذهبه الاعتزالي من أن العمل لا بد منه ، وأنه بهما يستوجب دخول الجنة ، ولذلك فسر قوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ) الذي يستوجبه ، وقد فسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقيقة الإحسان الشرعي حين سئل عن ماهيته فقال : «أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
وقد فسر هنا الإحسان بالإخلاص ، وفسر بالإيمان ، وفسر بالقيام بالأوامر ، والانتهاء عن المناهي.
(فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) : العامل في عند هو العامل في له ، أي فأجره مستقر له عند ربه ، ولما أحال أجره على الله أضاف الظرف إلى لفظة ربه ، أي الناظر في مصالحة ومربيه ومدبر أحواله ، ليكون ذلك أطمع له ، فلذلك أتى بصفة الرب ، ولم يأت بالضمير العائد على الله في الجملة قبله ، ولا بالظاهر بلفظ الله. فلم يأت فله أجره عنده ، لما ذكرناه ، ولقلق الإتيان بهذه الضمائر ، ولم يأت فله أجره عند الله ، لما ذكرنا من المعنى الذي دل عليه لفظ الرب. (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : جمع الضمير في قوله : (عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حملا على معنى من ، وحمل أوّلا على اللفظ في قوله : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ، وهذا هو الأفصح ، وهو أن يبدأ أولا بالحمل على اللفظ ، ثم بالحمل على المعنى. وقد تقدم تفسير هذه الجملة. وقراءة ابن محيصن : فلا خوف ، برفع الفاء من غير تنوين ، باختلاف عنه. وقراءة الزهري وعيسى الثقفي ويعقوب وغيرهم : فلا خوف ، بالفتح من غير تنوين ، وتوجيه ذلك ، فأغنى عن إعادته هنا.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) ، قيل : المراد عامة اليهود وعامة النصارى ، فهذا من الإخبار عن الأمم السالفة ، وتكون أل للجنس ، ويكون في ذلك تقريع لمن بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الفريقين ، وتسلية له صلىاللهعليهوسلم ، إذ كذبوا بالرسل وبالكتب قبله. وقيل : المراد يهود المدينة ونصارى نجران ، حيث تماروا عند الرسول وتسابوا ، وأنكرت اليهود الإنجيل ونبوّة عيسى ، وأنكرت النصارى