إثباتا ، فلا بد له من الدليل. وتدل الآية على بطلان التقليد ، وهو قبول الشيء بغير دليل. قال الزمخشري : وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين ، وإن كل قول لا دليل عليه ، فهو باطل. إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم ، أي أوضحوا دعوتكم. وظاهر الآية أن متعلق الصدق هو دعواهم أنهم مختصون بدخول الجنة. وقيل : صادقين في إيمانكم. وقيل : في أمانيكم. وقيل معنى صادقين : صالحين كما زعمتم ، وكل ما أضيف إلى الصلاح والخير أضيف إلى الصدق. تقول : رجل صدق ، وصديق صدق ، ودالة صدق ، ومنه : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (١). وقيل : معناه إن كنتم موقنين بما أخذ الله ميثاقه وعهوده ، ومنه : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ).
(بَلى) : رد لقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) ، والكلام فيها كالكلام الذي تقدّم في قوله : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) (٢) ، وقبل ذلك : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (٣) ، وكلاهما فيه نفي وإيجاب ، إلا أن ذلك استثناء مفرّغ من الأزمان ، وهذا استثناء مفرّغ من الفاعلين. وأبعد من ذهب إلى أن بلى رد لما تضمن قوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) من النفي ، لأن معناه لا برهان لكم على صدق دعواكم ، فأثبت ببلى أن لمن أسلم وجهه برهانا ، وهذا ينبو عنه اللفظ.
(مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) : الكلام في : من ، كالكلام في : من ، من قوله : (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) ، والأظهر أنها مبتدأة ، وجوّزوا أن تكون فاعلة ، أي يدخلها من أسلم ، وإذا كانت مبتدأة ، فلا يتعين أن تكون شرطية. فالجملة بعدها هي الخبر ، وجواب الشرط (فَلَهُ أَجْرُهُ). وإذا كانت موصولة ، فالجملة بعدها صلة لا موضع لها من الإعراب ، والخبر هو ما دخلت عليه الفاء من الجملة الابتدائية ، وإذا كانت من فاعلة فقوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ) جملة اسمية معطوفة على ذلك الفعل الرافع لمن. والوجه هنا يحتمل أن يراد به الجارحة خص بالذكر ، لأنه أشرف الأعضاء ، أو لأنه فيه أكثر الحواس ، أو لأنه عبر به عن الذات ومنه : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤) ، ويحتمل أن يراد به الجهة ، والمعنى : أخلص طريقته في الدين لله. وقال مقاتل : أخلص دينه. وقال ابن عباس : أخلص عمله لله. وقيل : قصده. وقيل : فوّض أمره إلى الله تعالى. وقيل : خضع وتواضع. وهذه أقوال متقاربة في المعنى ، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال ، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضا. وهذا
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١١٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨١.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٨٢.
(٤) سورة القصص : ٢٨ / ٨٨.