فنيام : جمع نائم ، وهو من الصفات التي يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء ، وقدم هودا على نصارى لتقدمها في الزمان. وقرأ أبي : إلا من كان يهوديا أو نصرانيا ، فحمل الاسم والخبر معا على اللفظ ، وهو الإفراد والتذكير.
(تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) : جملة من مبتدأ وخبر معترضة بين قولهم ذلك وطلب الدليل على صحة دعواهم. وتلك يشار بها إلى الواحدة المفردة ، وإلى الجمع غير المسلم من المذكر والمؤنث ، فحمله الزمخشري على الجمع قال : أشير بها إلى الأماني المذكورة ، وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم ، وأمنيتهم أن يردّوهم كفارا ، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم ، أي تلك الأماني الباطلة أمانيهم. انتهى كلامه. وما ذهب إليه في الوجه الأول ليس بظاهر ، لأن كل جملة ذكر فيها ودهم لشيء ، فقد انفصلت وكملت واستقلت في النزول ، فيبعد أن يشار إليها. وأما ما ذهب إليه في الوجه الثاني ففيه مجاز الحذف ، وفيه قلب الوضع ، إذ الأصل أن يكون تلك مبتدأ ، وأمانيهم خبر. فقلب هو الوضع ، إذ قال : إن أمانيهم في البطلان مثل أمنيتهم هذه. وفيه أنه متى كان الخبر مشبها به المبتدأ ، فلا يجوز تقديمه ، مثل : زيد زهير ، نص على ذلك النحويون. فإن تقدم ما هو أصل في أن يشبه به ، كان من عكس التشبيه ومن باب المبالغة ، إذ جعل الفرع أصلا والأصل فرعا كقولك : الأسد زيد شجاعة ، والأظهر أن تلك إشارة إلى مقالتهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) ، أي تلك المقالة أمانيهم ، أي ليس ذلك عن تحقيق ولا دليل على من كتاب الله ولا من أخبار من رسول ، وإنما ذلك على سبيل التمني. وإن كانوا هم حازمين بمقالتهم ، لكنها لما لم تكن عن برهان ، كانت أماني ، والتمني يقع بالجائز والممتنع. فهذا من الممتنع ، ولذلك أتى بلفظ الأماني ، ولم يأت بلفظ مرجوّاتهم ، لأن الرجاء يتعلق بالجائز ، تقول : ليتني طائر ، ولا يجوز ، لعلني طائر ، وإنما أفرد المبتدأ لفظا ، لأنه كناية عن المقالة ، والمقالة مصدر يصلح للقليل والكثير ، فأريد بها هنا الكثير باعتبار القائلين ، ولذلك جمع الخير ، فطابق من حيث المعنى في الجمعية. وقد تقدّم شرح الأماني في قوله : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) (١) ، فيحتمل أن يكون المعنى : تلك أكاذيبهم وأباطيلهم ، أو تلك مختاراتهم وشهواتهم ، أو تلك تلاواتهم.
(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : لما تقدم منهم الدعوى بأنه لن يدخل الجنة إلا من ذكروا ، طولبوا بالدليل على صحة دعواهم. وفي هذا دليل على أن من ادعى نفيا أو
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٧٨.