ليت شعري وأين مني ليت |
|
إن ليتا وإن لوّا عناء |
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ) : نزلت في اليهود ، إذ قالوا : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (١) ، أو في النصارى ، إذ قالوا : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢) ، أو في المشركين ، إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، أو في النصارى والمشركين ، أقوال أربعة ، والأخير قاله الزجاج. ولاختلافهم في سبب النزول ، اختلفوا في الضمير في وقالوا ، على من يعود؟ فقيل : هو عائد على الجميع من غير تخصيص. فإن كلّا منهم قد جعل لله ولدا ، قاله ابن إسحاق ، والجمهور على قراءة : وقالوا بالواو ، وهو آكد في الربط ، فيكون عطف جملة خبرية على جملة مثلها. وقيل : هو عطف على قوله : (وَسَعى فِي خَرابِها) ، فيكون معطوفا على معطوف على الصلة ، وفصل بينهما بالجمل الكثيرة ، وهذا بعيد جدا ، ينزه القرآن عن مثله. وقرأ ابن عباس وابن عامر وغيرهما : قالوا بغير واو ، ويكون على استئناف الكلام ، أو ملحوظا فيه معنى العطف ، واكتفى بالضمير والربط به عن الربط بالواو. وقال الفارسي : وبغير واو هي في مصاحف أهل الشام. تقدم أن اتخذ : افتعل من الأخذ ، وأنها تارة تتعدى إلى واحد نحو قوله : (اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٣) ، قالوا : معناه صنعت وعملت ، وإلى اثنين فتكون بمعنى : صير. وكلا الوجهين يحتمل هنا. وكل من الوجهين يقتضي تصوره باستحالة الولد ، لأن الولد يكون من جنس الوالد. فإن جعلت اتخذ بمعنى عمل وصنع ، استحال ذلك ، لأن الباري تعالى منزه عن الحدوث ، قديم ، لا أولية لقدمه ، وما عمله محدث ، فاستحال أن يكون ولد إله. وإن جعلت اتخذ بمعنى صير ، استحال أيضا ، لأن التصيير هو نقل من حال إلى حال ، وهذا لا يكون إلا فيما يقبل التغيير ، وفرضية الولد به تقتضي أن يكون من جنس الوالد لا تقتضي التغيير ، فقد استحال ذلك. وإذا جعلت اتخذ بمعنى صير ، كان أحد المفعولين محذوفا ، التقدير : وقالوا اتخذ بعض الموجودات ولدا. والذي جاء في القرآن إنما ظاهره التعدي إلى واحد ، قال تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) (٤) ، (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) (٥) ، (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٦). وقال القشيري : أتى بالولد ، وهو أحدي الذات ، لا جزء لذاته ، ولا تجوز الشهوة في صفاته. انتهى.
ولما كانت هذه المقالة من أفسد الأشياء وأوضحها في الاستحالة ، أتى باللفظ الذي
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.
(٣) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤١.
(٤) سورة مريم : ١٩ / ٨٨.
(٥) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٩١.
(٦) سورة مريم : ١٩ / ٩٢.