أولى من جعلها متنافرة ، ولا نعدل إلى ذلك إلا بصارف عن الوجه الأول ، إمّا لفظي ، وإمّا معنوي ، وإلى عوده على الكتاب ذهب الزمخشري.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) : الضمير في به في هذه الجملة فيه من الخلاف ما فيه في الجملة السابقة ، والظاهر كما قلناه ، إنه عائد على الكتاب ، ولم يعادل بين الجملتين في التركيب الخبري غير الشرطي أو الشرطي. بل قصد في الأولى إلى ذكر الحكم من غير تعليق عليه ، ودل مقابلة الخسران على ربح من آمن به وفوزه ووفور حظه عند الله ، فاكتفى بثبوت السبب عن ذكر المسبب عنه. وقصد في الجملة الثانية إلى ذكر المسبب على تقدير حصول السبب ، فكان في ذلك تنفير عن تعاطي السبب لما يترتب عليه من المسبب الذي هو الخسران ونقص الحظ ، وأخرج ذلك في جملة شرطية حمل فيها الشرط على لفظ من ، والجزاء على معناها. وهم : محتمل أن يكون مبتدأ وأن يكون فصلا. وعلى كلا التقديرين يكون في ذلك توكيد. وفي المنتخب الذي يليق به هذا الوصف ، هو القرآن. وأولئك : الأولى عائدة على المؤمنين ، والثانية عائدة على الكفار. والدليل عليه ، أن الذين تقدم ذكرهم هم أهل الكتاب ، فلما ذم طريقتهم وحكى سوء أفعالهم ، أتبع ذلك بمدح من ترك طريقتهم ، بأن تأمل التوراة وترك تحريفها ، وعرف منها صحة نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم. انتهى. والتلاوة لها معنيان : القراءة لفظا ، والاتباع فعلا. وقد تقدم ما نقل في تفسير التلاوة هنا ، والأولى أن يحمل على كل تلك الوجوه ، لأنها مشتركة في المفهوم ، وهو أن بينها كلها قدرا مشتركا ، فينبغي أن يحمل عليه لكثرة الفوائد. (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ، وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : كرر نداء بني إسرائيل هنا ، وذكرهم بنعمه على سبيل التوكيد ، إذ أعقب ذلك النداء ذكر نداء ثان يلي ذكر الطائفتين متبعي الهدى والكافرين المكذبين بالآيات. وهذا النداء أعقب ذكر تينك الطائفتين من المؤمنين والكافرين. وكان ما بين النداءين قصص بني إسرائيل ، وما أنعم الله به عليهم ، وما صدر منهم ، من أفعالهم التي لا تليق بمن أنعم الله عليه ، من المخالفات والكذب والتعنتات ، وما جوزوا به في الدنيا على ذلك ، وما أعدّ لهم في الآخرة محشوا بين التذكيرين ومجعولا بين الوعظين والتخويفين ليوم القيامة. ونظير ذلك في الكلام أن تأمر شخصا بشيء على جهة الإجمال ، ثم تفصل له ذلك الشيء إلى أشياء كثيرة عديدة ، وأنت تسردها له سردا ، وكل واحدة منها هي مندرجة تحت ذلك الأمر السابق. ويطول بك الكلام