أئمة ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (١). والخلفاء أيضا أئمة ، وكذلك القضاة والفقهاء والمصلي بالناس ، ومن يؤتم به في الباطل. قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٢). فلما تناول الاسم هؤلاء كلهم ، وجب أن يحمل هنا على أشرف المراتب وأعلاها ، لأنه ذكره في معرض الامتنان ، فلا بد أن يكون أعظم نعمة ، ولا شيء أعظم من النبوة.
قال ومن ذريتي ، قال الزمخشري : عطف على الكاف ، كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي ، كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا. انتهى كلامه. ولا يصح العطف على الكاف ، لأنها مجرورة ، فالعطف عليها لا يكون إلا بإعادة الجار ، ولم يعد ، ولأن من لا يمكن تقدير الجار مضافا إليها ، لأنها حرف ، فتقديرها بأنها مرادفة لبعض حتى تقدر جاعلا مضافا إليها لا يصح ، ولا يصح أن تكون تقدير العطف من باب العطف على موضع الكاف ، لأنه نصب ، فيجعل من في موضع نصب ، لأن هذا ليس مما يعطف فيه على الموضع ، على مذهب سيبويه ، لفوات المحرز ، وليس نظير : سأكرمك ، فتقول : وزيدا لأن الكاف هنا في موضع نصب. والذي يقتضيه المعنى أن يكون من ذريتي متعلقا بمحذوف ، التقدير : واجعل من ذريتي إماما ، لأن إبراهيم فهم من قوله إني جاعلك للناس إماما الاختصاص ، فسأل الله تعالى أن يجعل من ذريته إماما. وقرأ زيد بن ثابت : ذريتي بالكسر في الذال. وقرأ أبو جعفر بفتحها. وقرأ الجمهور بالضم ، وذكرنا أنها لغات فيها ، ومن أي شيء اشتقت حين تكلمنا على المفردات.
(قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) : والضمير في قال الثانية ضمير إبراهيم ، وفي قال هذه عائد على الله تعالى. والعهد : الإمامة ، قاله مجاهد : أو النبوة ، قاله السدي ؛ أو الأمان ، قاله قتادة. وروي عن السدي ، واختاره الزجاج : أو الثواب قاله قتادة أيضا ؛ أو الرحمة ، قاله عطاء ؛ أو الدين ، قاله الضحاك والربيع ، أو لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه ، قاله ابن عباس ؛ أو الأمر من قوله : (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) (٣) ، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) (٤) ؛ أو إدخاله الجنة من قوله : كان له (عِنْدَ اللهِ عَهْداً) (٥) ، أن يدخله الجنة ؛ أو طاعتي ، قاله الضحاك أيضا ؛ أو الميثاق ؛ أو الأمانة. والظاهر من هذه الأقوال : أن العهد هي الإمامة ،
__________________
(١) سورة السجدة : ٣٢ / ٢٤.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٧٣.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٨٣.
(٤) سورة يس : ٣٦ / ٦٠.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٨٠.