لأنها هي المصدر بها ، فأعلم إبراهيم أن الإمامة لا تنال الظالمين. وذكر بعض أهل العلم أن قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) هو استعلام ، كأنه قيل : أتجعل من ذريتي إماما : وقد قدمنا أن الظاهر أنه على سبيل الطلب ، أي واجعل من ذريتي. وهذا الجواب الذي أجاب الله به إبراهيم هو من الجواب الذي يربو على السؤال ، لأن إبراهيم طلب من الله ، وسأل أن يجعل من ذريته إماما ، فأجابه إلى أنه لا ينال عهده الظالمين ، ودل بمفهومه الصحيح على أنه ينال عهده من ليس بظالم ، وكان ذلك دليلا على انقسام ذريته إلى ظالم وغير ظالم ، ويدلك على أن العهد هو الإمامة أن ظاهر قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أنه جواب لقول إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على سبيل الجعل ، إذ لو كان على سبيل المنع لقال لا ، أو لا ينال عهدي ذريتك ، ولم ينط المنع بالظالمين. وقرأ أبو رجاء وقتادة والأعمش : الظالمون بالرفع ، لأن العهد ينال ، كما ينال أي عهدي لا يصل إلى الظالمين ، أو لا يصل الظالمون إليه ولا يدركونه. وقد فسر الظلم هنا بالكفر ، وهو قول ابن جبير ، وبظلم المعاصي غير الكفر ، وهو قول عطاء والسدي. واستدل بهذا على أن الظالم إذا عوهد لم يلزم الوفاء بعهده ، قال الحسن : لم يجعل الله لهم عهدا. قال ابن أبي الفضل : ما ذكره المفسرون من أنه سأل الإمامة لذريته ، وأنه أجيب إلى ملتمسه لا يظهر من اللفظ ، لأنه قال : ومن ذريتي ، وهو محتمل ، وجاعل من ذريتي ، أو تجعل من ذريتي ، أو اجعل من ذريتي. وإذا كان هذا كله محتملا غير منطوق به ، فمن أين لهم أنه سأل؟ وأما قولهم : أجيب إلى ملتمسه ، فاللفظ لا يدل على ذلك ، بل يدل على ضده ، لأن ظاهره : أن أولادك ظالمون. لكن دل الدليل على خلاف ذلك ، وهو : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) ، وغير ذلك من الآي التي تدل على أن في ذريته النبوة. ولو قال : لا ينال عهدي الظالمين منهم ، لدل ذلك على ما يقولون على أن اللفظ لا ينزل عليه نزولا بينا. انتهى ما ذكره ملخصا بعضه. وفيما ذكره ابن أبي الفضل نظر ، لأن تلك التقادير التي قدرها ظاهرها السؤال. أما من قدر : واجعل من ذريتي إماما ، فهو سؤال ؛ وأما من قدر : وتجعل وجاعل ، فهو استفهام على حذف الاستفهام ، إذ معناه : وأ جاعل أنت يا رب ، أو أتجعل يا رب من ذريتي. والاستفهام يؤول معناه إلى السؤال ، ولا يجوز أن يكون المقدر من قولهم : وجاعل ، أو تجعل من ذريتي إماما خبرا ، لأنه خبر من نبي. وإذا كان خبرا من نبي ، كان صدقا ضرورة. ولم يتقدم من الله إعلام لإبراهيم بذلك ، إنما أعلمه أنه يجعله للناس إماما. فمن أين يخبر بذلك؟ ومن يخاطب بذلك؟ إن كان الله قد أعلمه ذلك. وإنما ذلك التقدير على سبيل الاستفهام والاستعلام.