ذكر رحبا على مراعاة المكان ، وأنث فسيحة على اللفظ. وقرأ الأعمش وطلحة : مثابات على الجمع ، وقال ورقة بن نوفل :
مثابا لا فناء القبائل كلها |
|
تخب إليها اليعملات الطلائح |
ويروى : الذوابل. ووجه قراءة الجميع أنه مثابة لكل من الناس ، لا يختص به واحد منهم ، (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ). ومثابة ، قال مجاهد وابن جبير معناه : يثوبون إليه من كل جانب ، أي يحجونه في كل عام ، فهم يتفرّقون ، ثم يثوبون إليه أعيانهم أو أمثالهم ، ولا يقضي أحد منهم وطرا ، وقال الشاعر :
جعل البيت مثابا لهم |
|
ليس منه الدهر يقضون الوطر |
وقال ابن عباس : معاذا وملجأ. وقال قتادة والخليل : مجمعا. وقال بعض أهل اللغة ، فيما حكاه الماوردي : أي مكان. إثابة : واحدة من الثواب ، وأورد هذا القول ابن عطية احتمالا منه. والألف واللام في قوله للناس : أما لاستغراق الجنس على مذهب من يرى أن الناس كلهم مخاطبون بفروع الإيمان ، وإما للجنس الخاص على مذهب من لا يرى ذلك. وجعلنا هنا بمعنى صيرنا ، فمثابة مفعول ثان. وقيل : جعل هنا بمعنى : خلق ، أو وضع ، ويتعلق للناس بمحذوف تقديره : مثابة كائنة ، إذ هو في موضع الصفة. وقيل : يتعلق بلفظ جعلنا ، أي لأجل الناس. والأمن : مصدر جعل البيت إياه على سبيل المبالغة لكثرة ما يقع به من الأمن ، أو على حذف مضاف ، أي ذا أمن ، أو على أنه أطلق على اسم الفاعل مجازا ، أي آمنا ، كما قال تعالى : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (١) ، وجعله آمنا ، اختلفوا ، هل ذلك في الدنيا أو في الآخرة؟ فمن قال : إنه في الدنيا ، فقيل معناه : أن الناس كانوا يقتتلون ، ويغير بعضهم على بعض حول مكة ، وهي آمنة من ذلك ، ويلقى الرجل قاتل أبيه فلا يهيجه ، لأنه تعالى جعل لها في النفوس حرمة ، وجعلها أمنا للناس والطير والوحش ، إلا الخمس الفواسق ، فخصصت من ذلك على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأما من أحدث حدثا خارج الحرم ، ثم أتى الحرم ، ففي أمنه من أن يهاج فيه خلاف مذكور في الفقه. وقيل معناه : إنه آمن لأهله ، يسافر أحدهم الأماكن البعيدة ، فلا يروعه أحد. وقيل : معناه : إنه يؤمن من أن يحول الجبابرة بينه وبين من قصده. ومن قال هذا الأمن في الآخرة ، قيل : من المكر عند الموت. وقيل : من عذاب النار. وقيل : من بخس ثواب من
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢٦.