قصده ، قال قوم : وهذا الأمن مختص بالبيت. وقيل : يشمل البيت والحرم. وقال في ريّ الظمآن معناه : ذا أمن لقاطنيه من أن يجري عليهم ما يجري على سكان البوادي وسائر بلدان العرب. والظاهر أن قوله : وأمنا ، معطوف على قوله : مثابة ، ويفسر الأمن بما تقدّم ذكره. وذهب بعضهم إلى أن المعنى على الأمر ، التقدير : واجعلوه آمنا ، أي جعلناه مثابة للناس ، فاجعلوه آمنا لا يتعدّى فيه أحد على أحد. فمعناه أن الله أمر الناس أن يجعلوا ذلك الموضع آمنا من الغارة والقتل ، وكان البيت محرّما بحكم الله ، وربما يؤيد هذا التأويل بقراءة من قرأ : واتخذوا على الأمر ، فعلى هذا يكون العطف فيه من عطف الجمل ، عطفت فيه الجملة الأمرية على جملة خبرية ، وعلى القول الظاهر يكون من عطف المفردات.
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) : قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، والجمهور : واتخذوا ، بكسر الخاء على الأمر. وقرأ نافع ، وابن عامر : بفتحها ، جعلوه فعلا ماضيا. فأما قراءة : واتخذوا على الأمر ، فاختلف من المواجه به ، فقيل : إبراهيم وذريته ، أي وقال الله لإبراهيم وذريته : اتخذوا. وقيل : النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته ، أي : وقلنا اتخذوا. ويؤيده ما روي عن عمر أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، فذكر منها وقلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى! وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أخذ بيد عمر فقال : «هذا مقام إبراهيم» ، فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى؟ فقال : «لم أومر بذلك». فلم تغب الشمس حتى نزلت. وعلى هذين القولين يكون اتخذوا معمولا لقول محذوف. وقيل : المواجه به بنو إسرائيل ، وهو معطوف على قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) (١). وقيل : هو معطوف على قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً) ، قالوا : لأن المعنى : ثوبوا إلى البيت ، فهو معطوف على المعنى. وهذان القولان بعيدان. وأما قراءة : واتخذوا ، بفتح الخاء ، فمعطوف على ما قبله ، فأما على مجموع ، إذ جعلنا فيحتاج إلى إضمار إذ ، وأما على نفس جعلنا ، فلا يحتاج إلى تقديرها ، بل يكون في صلة إذ. والمعنى : واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به ، وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها ، قاله الزمخشري. من مقام : جوّزوا في من أن تكون تبعيضية ، وبمعنى في ، وزائدة على مذهب الأخفش ، والأظهر الأول. وقال القفال : هي مثل اتخذت من فلان صديقا ، وأعطاني الله من فلان أخا صالحا ، دخلت من لبيان المتخذ الموهوب ، وتميزه في ذلك المعنى والمقام
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٤٠.