به هو التنظيف من كل ما لا يليق به. وقد فسروا التطهير بالبناء والتأسيس على الطهارة والتوحيد ، قاله السدّي ، وهو بعيد ، وبالتطهير من الأوثان. وذكروا أنه كان عامرا على عهد نوح ، وأنه كان فيه أصنام على أشكال صالحيهم ، وأنه طال العهد ، فعبدت من دون الله ، فأمر الله بتطهيره من تلك الأوثان ، قاله جبير ومجاهد وعطاء ومقاتل. والمعنى : أنه لا ينصب فيه وثن ، ولا يعبد فيه غير الله. وقال يمان : معناه بخّراه ونظفاه وخلقاه. وقيل : من الآفات والريب. وقيل : من الكفار. وقيل : من الفرث والدم الذي كان يطرح فيه. وقيل : معناه أخلصاه لهؤلاء ، لا يغشاه غيرهم ، والأولى حمله على التطهير مما لا يناسب بيوت الله ، فيدخل فيه الأوثان والإنجاس ، وجميع الخبائث ، وما يمنع منه شرعا ، كالحائض.
(بَيْتِيَ) : هذه إضافة تشريف ، لا أن مكانا محل لله تعالى ، ولكن لما أمر ببنائه وتطهيره وإيفاد الناس من كل فج إليه ، صار له بذلك اختصاص ، فحسنت إضافته إلى الله بذلك ، وصار نظير قوله : (ناقَةُ اللهِ) (١) و (رَوْحِ اللهِ) (٢) ، من حيث أن في كل منهما خصوصية لا توجد في غيره ، فناسب الإضافة إليه تعالى. والأمر بتطهيره يقتضي سبق وجوده ، إلا إذا حملنا التطهير على البناء والتأسيس على الطهارة والتقوى. وقد تقدّم أنه كان مبنيا على عهد نوح. (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) : ظاهره أنه كل من يطوف من حاضر أو باد ، قاله عطاء وغيره. وقال ابن جبير : الغرباء الطارئون على مكة حجاجا وزوّارا ، فيرحلون عن قريب ، ويؤيده أنه ذكر بعده. والعاكفين ، قال : وهم أهل البلد الحرام المقيمون ، والمقيم مقابل المسافر. وقال عطاء : العاكفون هم الجالسون من غير طواف من بلديّ وغريب. وقال مجاهد : المجاورون له من الغرباء. وقال ابن عباس : المصلون ، لأن الذي يكون يدخل إلى البيت ، إنما يدخل لطواف أو صلاة. وقيل : هم المعتكفون. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالعاكفين : الواقفين ، يعني القائمين ، كما قال للطائفين والقائمين والركع السجود. والمعنى للطائفين والمصلين ، لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي. انتهى. ولو قال : القائم هنا معناه : العاكف ، من قوله : ما دمت عليه قائما ، لكان حسنا ، ويكون في ذلك جمع بين أحوال من دخل البيت للتعبد ، لأنه لا يخلو إذ ذاك من طواف أو اعتكاف أو صلاة ، فيكون حمله على ذلك أجمع لما هيىء البيت له.
(وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : هم المصلون عند الكعبة ، قاله عطاء وغيره. وقال الحسن : هم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٣.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٨٧.