على معنى النسب ، أي ذا أمن ، كقولهم : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (١) ، أي ذات رضا ، أو على الاتساع لما كان يقع فيه الأمن جعله آمنا كقولهم : نهارك صائم وليلك قائم. وهل الدعاء بأن يجعله آمنا من الجبابرة والمسلطين ، أو من أن يعود حرمه حلالا ، أو من أن يخلو من أهله ، أو آمنا من القتل ، أو من الخسف والقذف ، أو من القحط والجذب ، أو من دخول الدجال ، أو من أصحاب الفيل؟ أقوال. ومن فسر آمنا بكونه آمنا من الجبابرة ، فالواقع يرده ، إذ قد دخل فيه الجبابرة وقتلوا ، كعمرو بن لحي الجرهمي ، والحجاج بن يوسف ، والقرامطة ، وغيرهم. وكذلك من قال آمنا من القحط والجدب ، فهي أكثر بلاد الله قحطا وجدبا. وقال القفال : معناه مأمونا فيه ، وكانوا قبل أن تغزوهم العرب في غاية الأمن ، حتى أن أحدهم إذا وجد بمفازة أو برّية ، لا يتعرض إليه عند ما يعلم أنه من سكان الحرم.
(وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : لما بنى إبراهيم البيت في أرض مقفرة ، وكان حال من يتمدّن من الأماكن يحتاج فيه إلى ماء يجري ومزرعة يمكن بهما القطان بالمدينة ، دعا الله للبلد بالأمن ، وبأن يجبى له الأرزاق. فإنه إذا كان البلد ذا أمن ، أمكن وفود التجار إليه لطلب الربح. ولما سمع في الإمامة قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). قيد هنا من سأل له الرزق فقال : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، والضمير في منهم عائد على أهله. دعا لمؤمنهم بالأمن والخصب ، لأن الكافر لا يدعى له بذلك. ألا ترى أن قريشا لما طغت ، دعا عليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين ، كسني يوسف» ، وكانت مكة إذ ذاك قفرا ، لا ماء بها ولا نبات ، كما قال : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) فبارك الله فيما حولها ، كالطائف وغيره ، وأنبت الله فيه أنواعا من الثمر. وروي أن الله تعالى لما دعاه إبراهيم ، أمر جبريل فاقتلع فلسطين ، وقيل : بقعة من الأردن ، فطاف بها حول البيت سبعا ، فأنزلها بواد ، فسميت الطائف بسبب ذلك الطواف ، وقال بعضهم :
كل الأماكن إعظاما لحرمتها |
|
تسعى لها ولها في سعيها شرف |
وذكر متعلق الإيمان ، وهو الله تعالى واليوم الآخر ، لأن في الإيمان بالله إيمانا بالصانع الواجب الوجود ، وبما يليق به تعالى من الصفات ، وفي الإيمان باليوم الآخر إيمان بالثواب والعقاب المرتبين على الطاعة والمعصية اللذين هما مناط التكليف المستدعي مخبرا
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٢١.