والمراد بالتقبل : الإثابة ، عبر بإحدى المتلازمين عن الآخر ، لأن التقبل هو أن يقبل الرجل من الرجل ما يهدي إليه. فشبه الفعل من العبد بالعطية ، والرضا من الله تعالى بالتقبل توسعا. وحكى بعض المفسرين عن بعض الناس فرقا بين القبول والتقبل ، قال : التقبل تكلف القبول ، وذلك حيث يكون العمل ناقصا لا يستحق أن يقبل ، قال : فهذا اعتراف من إبراهيم وإسماعيل بالتقصير في العمل. ولم يكن المقصود إعطاء الثواب ، لأن كون الفعل واقعا موقع القبول من المخدوم ، ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه ، وسؤالهما التقبل بذلك ، على أن ترتيب الثواب على العمل ليس واجبا على الله تعالى ، انتهى ملخصا. ونقول : إن التقبل والقبول سواء بالنسبة إلى الله تعالى ، إذ لا يمكن تعقل التكليف بالنسبة إليه تعالى. وقد قدمنا أن تفعل هنا موافق للفعل المجرد الذي هو قبل.
(إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : يجوز في أنت الابتداء والفصل والتأكيد. وقد تقدّم الكلام في الفصل وفائدته ، وهو من المسائل التي جمعت فيها الكلام في نحو من سبعة أوراق أحكاما دون استدلال. وهاتان الصفتان مناسبتان هنا غاية التناسب ، إذ صدر منهما عمل وتضرع سؤال ، فهو السميع لضراعتهما وتسالهما التقبل ، وهو العليم بنياتهما في إخلاص عملهما. وتقدّمت صفة السمع ، وإن كان سؤال التقبل متأخرا عن العمل للمجاورة نحو قوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (١). فأما الذين اسودت وتأخرت صفة العليم لكونها فاصلة ولعمومها ، إذ يشمل علم المسموعات وغير المسموعات. (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) : أي منقادين ، أو مخلصين أوجهنا لك من قوله : من أسلم وجهه ، أي أخلص عمله ، والمعنى : أدم لنا ذلك ، لأنهما كانا مسلمين ، ولك تفيد جهة الإسلام ، أي لك لا لغيرك. وقرأ ابن عباس وعوف الأعرابي : مسلمين على الجمع ، دعاء لهما وللموجود من أهلهما ، كهاجر ، وهذا أولى من جعل لفظ الجمع مرادا به التثنية ، وقد قيل به هنا.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) : لما تقدّم الجواب له بقوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، علم أن من ذريتهما الظالم وغير الظالم ، فدعا هنا بالتبعيض لا بالتعميم فقال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا) ، وخص ذريته بالدعاء للشفقة والحنوّ عليهم ، ولأن في صلاح نسل الصالحين نفعا كثيرا لمتبعهم ، إذ يكونون سببا لصلاح من وراءهم. والذرية هنا ، قيل : أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، بدليل قوله : (وَابْعَثْ فِيهِمْ) (٢). وقيل : هم العرب ، لأنهم من ذريتهما. قال :
__________________
(١) سورة آل عمران : ٦ / ١٠٦.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٢٩.