وقيل : معناه سفه في نفسه فحذف لجار ، كقولهم : زيد ظني مقيم ، أي في ظني ، والوجه هو الأول ، وكفى شاهدا له بما جاء في الحديث : «الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس». انتهى كلامه. فأجاز نصبه على المفعول به ، إلا أن قوله : ويجوز أن يكون في شذوذ تعريف التمييز ، نحو قوله :
ولا بفزارة الشعر الرقابا |
|
أجب الظهر ليس له سنام |
ليس بصحيح ، لأن الرقاب من باب معمول الصفة المشبهة. والشعر جمع أشعر ، وكذلك أجب الظهر هو أيضا من باب الصفة المشبهة ، وأجب أفعل اسم وليس بفعل. وقبل النصف الأول قوله :
فما قومي بثعلبة بن سعدى
وقبل الآخر قوله :
ونأخذ بعده بذناب عيش
فليس نحوه ، لأن نفسه انتصب بعد فعل ، والرقاب والظهر انتصبا بعد اسم ، وهما من باب الصفة المشبهة. ومعنى الآية : أنه لا يزهد ويرفع نفسه عن طريقة إبراهيم ، وهو النبي المجمع على محبته من سائر الطوائف ، إلا من أذل نفسه وامتهنها. وقال ابن عباس : معنى سفه نفسه : خسر نفسه. وقال أبو روق : عجز رأيه عن نفسه. وقال يمان : حمق رأيه. وقال الكلبي : قتل نفسه. وقال ابن بحر : جهلها ولم يعرف ما فيها من الدلائل. وحكي عن بعضهم أن معناه : سفه حق نفسه ، فأما سفه بضم الفاء فمعناه : صار سفيها ، مثل فقه إذا صار فقيها ، قال :
فلا علم إذا جهل العليم |
|
ولا رشد إذا سفه الحليم |
(وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) : أي جعلناه صافيا من الأدناس ، واصطفاؤه بالرسالة والخلة والكلمات التي وفى ووصى بها ، وبناء البيت ، والإمامة ، واتخاذ مقامه مصلى ، وتطهير البيت ، والنجاة من نار نمروذ ، والنظر في النجوم ، وأذانه بالحج ، وإراءته مناسكه ، إلى غير ذلك مما ذكر الله في كتابه ، من خصائصه ووجوه اصطفائه. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) : ذكر تعالى كرامة إبراهيم في الدارين ، بأن كان في الدنيا من صفوته ، وفي الآخرة من المشهود له بالاستقامة في الخير ، ومن كان بهذه الصفة فيجب على كل أحد أن