تشفي الصداع ولا يؤذيك طالبها |
|
ولا يخالطها في الرأس تدويم |
وأبعد من ذهب إلى أن قوله : لا ريب صيغة خبر ومعناه النهي عن الريب. وجوزوا في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أن يكون هدى في موضع رفع على أنه مبتدأ ، وفيه في موضع الخبر ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو هدى ، أو على فيه مضمرة إذا جعلنا فيه من تمام لا ريب ، أو خبر بعد خبر فتكون قد أخبرت بالكتاب عن ذلك ، وبقوله لا ريب فيه ، ثم جاء هذا خبرا ثالثا ، أو كان الكتاب تابعا وهدى خبر ثان على ما مر في الإعراب ، أو في موضع نصب على الحال ، وبولغ بجعل المصدر حالا وصاحب الحال اسم الإشارة ، أو الكتاب ، والعامل فيها على هذين الوجهين معنى الإشارة أو الضمير في فيه ، والعامل ما في الظرف من الاستقرار وهو مشكل لأن الحال تقييد ، فيكون انتقال الريب مقيدا بالحال إذ لا ريب فيه يستقر فيه في حال كونه هدى للمتقين ، لكن يزيل الإشكال أنها حال لازمة. والأولى : جعل كل جملة مستقلة ، فذلك الكتاب جملة ، ولا ريب جملة ، وفيه هدى للمتقين جملة ، ولم يحتج إلى حرف عطف لأن بعضها آخذ بعنق بعض. فالأولى أخبرت بأن المشار إليه هو الكتاب الكامل ، كما تقول : زيد الرجل ، أي الكامل في الأوصاف. والثانية نعت لا يكون شيء ما من ريب. والثالثة أخبرت أن فيه الهدى للمتقين. والمجاز إما في فيه هدى ، أي استمرار هدى لأن المتقين مهتدون فصار نظير اهدنا الصراط ، وإما في المتقين أي المشارفين لاكتساب التقوى ، كقوله :
إذا ما مات ميت من تميم
والمتقي في الشريعة هو الذي يقي نفسه أن يتعاطى ما توعد عليه بعقوبة من فعل أو ترك ، وهل التقوى تتناول اجتناب الصغائر؟ في ذلك خلاف. وجوز بعضهم أن يكون التقدير هدى للمتقين والكافرين ، فحذف لدلالة أحد الفريقين ، وخص المتقين بالذكر تشريفا لهم. ومضمون هذه الجملة على ما اخترناه من الإعراب ، الإخبار عن المشار إليه الذي هو الطريق الموصل إلى الله تعالى ، هو الكتاب أي الكامل في الكتب ، وهو المنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي قال فيه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) ، فإذا كان جميع الأشياء فيه ، فلا كتاب أكمل منه ، وأنه نفى أن يكون فيه ريب وأنه فيه الهدى. ففي الآية الأولى الإتيان بالجملة كاملة الأجزاء حقيقة لا مجاز فيها ، وفي الثانية مجازا لحذف لأنا
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.