القرآن والسنة ، ولتشابه أوائل هذه السورة بأول سورة النمل وأول سورة لقمان ، ولأن الصلاة طهرة للبدن ، والزكاة طهرة للمال والبدن ، ولأن الصلاة شكر لنعمة البدن ، والزكاة شكر لنعمة المال ، ولأن أعظم ما لله على الأبدان من الحقوق الصلاة ، وفي الأموال الزكاة ، والأحسن أن تكون هذه الأقوال تمثيلا للمتفق لا خلافا فيه. وكثيرا ما نسب الله الرزق لنفسه حين أمر بالإنفاق ، أو أخبر به ، ولم ينسب ذلك إلى كسب العبد ليعلم أن الذي يخرجه العبد ويعطيه هو بعض ما أخرجه الله له ونحله إياه ، وجعل صلات الذين أفعالا مضارعة ، ولم يجعل الموصول أل فيصله باسم الفاعل لأن المضارع فيما ذكر البيانيون مشعر بالتجدد والحدوث بخلاف اسم الفاعل ، لأنه عندهم مشعر بالثبوت والأمدح في صفة المتقين تجدد الأوصاف ، وقدم المنفق منه على الفعل اعتناء بما خول الله به العبد وإشعارا أن المخرج هو بعض ما أعطى العبد ، ولتناسب الفواصل وحذف الضمير العائد على الموصول لدلالة المعنى عليه ، أي ومما رزقناهموه ، واجتمعت فيه شروط جواز الحذف من كونه متعينا للربط معمولا لفعل متصرف تام. وأبعد من جعل ما نكرة موصوفة وقدر ، ومن شيء رزقناهمو لضعف المعنى بعد عموم المرزوق الذي ينفق منه فلا يكون فيه ذلك التمدح الذي يحصل يجعل ما موصولة لعمومها ، ولأن حذف العائد على الموصول أو جعل ما مصدرية ، فلا يكون في رزقناهم ضمير محذوف بل ما مع الفعل بتأويل المصدر ، فيضطر إلى جعل ذلك المصدر المقدر بمعنى المفعول ، لأن نفس المصدر لا ينفق منه إنما ينفق من المرزوق ، وترتيب الصلاة على حسب الإلزام. فالإيمان بالغيب لازم للمكلف دائما ، والصلاة لازمة في أكثر الأوقات ، والنفقة لازمة في بعض الأوقات ، وهذا من باب تقديم الأهم فالأهم.
الإنزال : الإيصال والإبلاغ ، ولا يشترط أن يكون من أعلا ، (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي وصل وحل ، إلى حرف جر معناه انتهاء الغاية وزيد كونها للمصاحبة وللتبيين ولموافقة اللام وفي ومن ، وأجاز الفراء زيادتها ، مثل ذلك : سرت إلى الكوفة ، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ، (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) ، (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) ، كأنني إلى الناس مطلبي ، أي في الناس. أيسقي فلا يروي إلى ابن أحمرا ، أي متى تهوي إليهم في قراءة من قرأ بفتح الواو ، أي تهواهم ، وحكمها في ثبوت الفاء ، وقلبها حكم على ، وقد تقدم. والكاف المتصلة بها ضمير المخاطب المذكر ، وتكسر للمؤنث ، ويلحقها ما يلحق أنت في التثنية والجمع دلالة عليهما ، وربما فتحت للمؤنث ، أو اقتصر عليها مكسورة في جمعها نحو :
ولست بسائل جارات بيتي |
|
أغياب رجالك أم شهود |