المحدودة باعتبار الاحتمال الثاني. والباء في بمؤمنين زائدة والموضع نصب لأن ما حجازية وأكثر لسان الحجاز جر الخبر بالباء ، وجاء القرآن على الأكثر ، وجاء النصب في القرآن في قوله : (ما هذا بَشَراً) (١) و (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ). وأما في أشعار العرب فزعموا أنه لم يحفظ منه أيضا إلا قول الشاعر :
وأنا النذير بحرة مسودة |
|
تصل الجيوش إليكم أقوادها |
أبناؤها متكفون أباهم |
|
حنقوا الصدور وما هم أولادها |
ولا تختص زيادة الباء باللغة الحجازية ، بل تزاد في لغة تميم خلافا لمن منع ذلك ، وإنما ادعينا أن قوله : بمؤمنين في موضع نصب لأن القرآن نزل بلغة الحجاز ، لأنه حين حذفت الباء من الخبر ظهر النصب فيه ، ولها أحكام كثيرة في باب معقود في النحو. وإنما زيدت الباء في الخبر للتأكيد ، ولأجل التأكيد في مبالغة نفي إيمانهم ، جاءت الجملة المنفية اسمية مصدرة بهم ، وتسلط النفي على اسم الفاعل الذي ليس مقيدا بزمان ليشمل النفي جميع الأزمان ، إذ لو جاء اللفظ منسحبا على اللفظ المحكي الذي هو : آمنا ، لكان : وما آمنوا ، فكان يكون نفيا للإيمان الماضي ، والمقصود أنهم ليسوا متلبسين بشيء من الإيمان في وقت ما من الأوقات ، وهذا أحسن من أن يحمل على تقييد الإيمان المنفي ، أي وما هم بمؤمنين بالله واليوم الآخر ، ولم يردّ الله تعالى عليهم قولهم : آمنا ، إنما رد عليهم متعلق القول وهو الإيمان ، وفي ذلك رد على الكرامية في قولهم : إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب. وهم في قوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) عائد على معنى من ، إذ أعاد أولا على اللفظ فأفرد الضمير في يقول ، ثم أعاد على المعنى فجمع. وهكذا جاء في القرآن أنه إذا اجتمع اللفظ والمعنى بدىء باللفظ ثم أتبع بالحمل على المعنى. قال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (٢) ، (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) (٣) الآية ، (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) (٤).
وذكر شيخنا الإمام علم الدين أبو محمد عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري الأندلسي الأصل المصري المولد والمنشأ ، المعروف بابن بنت العراقي ، رحمهالله تعالى ، أنه جاء موضع واحد في القرآن بدىء فيه بالحمل على المعنى أولا ثم أتبع بالحمل على اللفظ ، وهو قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٣١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٤٩.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٧٥.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣١.