وضمنت معنى الشرط ، وجوزي بها ، وصارت إذ ذاك من عوامل الأفعال. وقد تقدم لنا ما شرط في المجازاة بها ، وخلاف الفراء في ذلك. (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) : وهذا أمر لأمّة محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لما تقدّم أمره بذلك ، أراد أن يبين أن حكمه وحكم أمته في ذلك واحد ، مع مزيد عموم في الأماكن ، لئلا يتوهم أن هذه القبلة مختصة بأهل المدينة ، فبين أنهم في أيما حصلوا من بقاع الأرض ، وجب أن يستقبلوا شطر المسجد. ولما كان صلىاللهعليهوسلم هو المتشوف لأمر التحويل ، بدأ بأمره أولا ثم أتبع أمر أمته ثانيا لأنهم تبع له في ذلك ، ولئلا يتوهم أن ذلك مما اختص به صلىاللهعليهوسلم. وفي حرف عبد الله : فولوا وجوهكم قبله. وقرأ ابن أبي عبلة : فولوا وجوهكم تلقاءه ، وهذا كله يدل على أن المراد بالشطر : النحو ..
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : أي رؤساء اليهود والنصارى وأحبارهم. وقال السدّي : هم اليهود. (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) : أي التوجه إلى المسجد الحرام ، (الْحَقُ) : الذي فرضه الله على إبراهيم وذريته. وقال قتادة والضحاك : إن القبلة هي الكعبة. وقال الكسائي : الضمير يعود على الشطر ، وهو قريب من القول الثاني ، لأن الشطر هو الجهة. وقيل : يعود على محمد صلىاللهعليهوسلم ، أي يعرفون صدقه ونبوّته ، قاله قتادة أيضا ومجاهد. ومفسر هذه الضمائر متقدم. فمفسر ضمير التحويل والتوجه قوله : (فَوَلِّ وَجْهَكَ) ، فيعود على المصدر المفهوم من قوله : (فَوَلُّوا) ، ومفسر ضمير القبلة قوله : (قِبْلَةً تَرْضاها) ، ومفسر ضمير الشطر قوله : (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، ومفسر ضمير الرسول ضمير خطابه صلىاللهعليهوسلم. فعلى هذا الوجه يكون التفاتان. والعلم هنا يحتمل أن يكون مما يتعدى إلى اثنين ، ويحتمل أن يكون مما يتعدى إلى واحد ، لأن معموله هو أن وصلتها ، فيحتمل الوجهين ، وعلمهم بذلك ، إما لأن في كتابهم التوجه إلى الكعبة ، قاله أبو العالية ، وإما لأن في كتابهم أن محمدا صلىاللهعليهوسلم نبي صادق ، فلا يأمر إلا بالحق ، وإما لجواز النسخ ، وإما لأن في بشارة الأنبياء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي إلى القبلتين. (مِنْ رَبِّهِمْ) : جار ومجرور في موضع الحال ، أي ثابتا من ربهم. وفي ذلك دليل على أن التحول من بيت المقدس إلى الكعبة لم يكن باجتهاد ، إنما هو بأمر من الله تعالى. وفي إضافة الرب إليهم تنبيه على أنه يجب اتباع الحق الذي هو مستقر ممن هو معتن بإصلاحك ، كما قال تعالى : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) : قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب. فيحتمل أن يراد به المؤمنون لقوله : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، ويحتمل أن يراد به أهل الكتاب ، فتكون من باب الالتفات. ووجهه أن في خطابهم بأن الله لا يغفل عن أعمالهم ،